وكنت واقفا أمام رسم للمجدلية في الصحراء، فضربت يدا بيد بحركة اغتصابية، فسألني ديجنه: ما هذا؟
فقلت: لو كنت رساما ولاح لي أن أصور السآمة والضجر، لما كنت أرسم رمزهما فتاة مستغرقة في التفكير وفي يدها كتاب.
فقال: هل تكيد لأحد هذا المساء؟
ولم تستوقفني ابتسامته فقلت: إن هذه المجدلية الغارقة بدموعها لم يزل صدرها ناهدا بالأمل، ويدها الناحلة التي تسند إليها رأسا لم تزل تعبق بالعطر الذي سكبته على قدمي المسيح، وهذه الصحراء وما حولها آهلة بأشباح أفكار تتجه بالصلاة إلى الله، فقل لي: أهذا هو رمز السآمة والضجر؟
فقال بصوت لا أثر للشعور فيه: ليس هنا إلا امرأة تطالع كتابا.
فقلت: ولكن هذه المرأة سعيدة، والكتاب الذي تطالعه جليل.
وأدرك ديجنه ما أرمي إليه وأنا مستسلم للأسى، فسألني عما ألم بي، ولكنني ترددت في الجواب، فكأن يدا ربطت على قلبي .
وبعد صمت قصير قال ديجنه: إذا كان هنالك ما يؤلمك فلا تكتمه عني وأنت تعلم أنني لك خير صديق.
فقلت: أعلم أن لي صديقا، ولكن آلامي لا صديق لها.
وألح علي فقلت: إذا أعربت لك عما يخالجني، فما يفيدك ذلك وأنت عاجز عن تفريج كربي، وأنا أعجز منك؟ أفتريد سبر أعماق سريرتي، أم أنت تطلب كلمة أنتحل لك فيها الأعذار؟
صفحه نامشخص