وكنت أقول لها: أأنت طيبة القلب أم أنت شريرة ... أحزينة أنت أم مرحة ... أيروقك أن تحبي ... أتهوين المال والملذات ... وأي نوع منها تفضلين ... أسباق الخيل أم الخمر أم الرقص ... أي شيء يعجبك ... وبماذا تحلمين؟
فما كنت أظفر منها إلا بجواب واحد على جميع هذا، وهو ابتسامة لا حزن فيها ولا سرور، كأنها تعني الاستسلام وعدم المبالاة.
وقربت إلى مبسمها شفتي، فألقت عليهما قبلة متراخية تشبهها، ثم رفعت منديلها إلى فمها، فصرخت بها: ويل لمن سيحبك يا ماركو ...!
فألقت إلي بنظرة من مقلتها السوداء، ثم رفعتها إلى العلا وأشارت بأصبعها بحركة إيطالية لا تقلد، ولفظت بتمهل الكلمة الكبرى الخاصة بنساء بلادها: لقد يكون ...
وقدمت أشكال الحلوى والفاكهة، ونهض فريق من المدعوين إلى القاعة يدخنون ويلعبون، وما بقي على المائدة إلى العدد القليل، وكانت بعض النساء تستسلمن للرقص، والبعض الآخر للنعاس، وعادت جوقة الموسيقى إلى العزف، وتضاءلت أنوار الشموع، فاستبدلت بها سواها، فتذكرت وليمة «بترون» حيث ما كانت تطفئ المصابيح حول من طرحهم السكر على مقاعدهم، حتى يتسلل الخدم إلى المائدة ليسرقوا ما عليها من الأواني الثمينة.
ودام الإنشاد يتعالى من أفواه الثلاثة المغنين الإنكليز ذوي الوجوه الشاحبة.
ودعوت ماركو إلى الانصراف فنهضت واستندت إلى ذراعي، فشيعنا ديجنه قائلا: إلى الغد.
وخرجت بها من القاعة، وكنت كلما اقتربت إلى منزلها يزداد خفوق فؤادي، ويستولي الصمت علي لحيرتي في هذه الغانية التي تترفع عن الشهوة كما تترفع عن الكره، وما كنت أدرك السر في ارتجاف يدي وهي تلف هذه المخلوقة الساكنة الجامدة.
وبلغنا غرفة ماركو، فإذا هي على مثالها قاتمة تنتشر الشهوة في جوها، وكانت منارة بمصباح من الرخام الناصع البياض يرسل في جوانبها أشعة منكسرة، وكانت المقاعد كأنها أسرة وثيرة مشدودة بالحرير على زغب الطيور، وما دخلت إلى هذا المسكن حتى هبت في وجهي رائحة عطور تركية أصلية مستوردة من القسطنطينية، وهي أقوى العطور تهييجا للأعصاب، وأشدها خطرا.
وقرعت ماركو جرسا، فجاءتها وصيفتها الفتية، وسارت وإياها إلى الخدر، وما لبثت حتى انطرحت فيه على سريرها وقد أسندت وجهها بيدها متراخية على عادتها.
صفحه نامشخص