وما كنت لأجهل ما في عملي من جنون، ولكن هل من جنون لا يقدم الحب عليه ؟ وعندما عرفت بخيانة حبيبتي، خلعت هذه الذخيرة عني. ويعلم الله ما كان عذابي عندما تحررت من قساوتها، فكنت أزفر قائلا: إن أثرك سيمحى، أيها الجرح الدامي الحبيب، فأي بلسم سأسكب عليك؟
وما كان تزايد كرهي لهذه المرأة ليزيل تذكارها من كياني، فكأنه بقي يتمشى مع دمي في عروقي.
كنت ألعنها ثم أحلم بها، ومن له أن يقاوم الأحلام، وأن يحكم عقله في تذكارات قوامها لحم ودم؟
عندما قتل مكبيت دوكانان هتف قائلا: إن مياه المحيط لن تغسل يدي، وأنا أيضا كنت أرى أن مياه البحار كلها لن تغسل جراحي.
وصارحت ديجنه بحالتي فقلت له: دعني وشأني، إنني عندما أستسلم للكرى أرى رأسها ملقى على وسادتي.
ما كنت أحيا إلا من أجل هذه المرأة، فما كنت أرتاب بها حتى ولو ارتبت بنفسي، فإذا ما لعنتها فكأنني أجحد كل شيء، وإذا ما فقدتها فكأنني أرى الوجود بأسره مندثرا خاليا.
وقبعت في منزلي منقطعا عن الناس؛ إذ كنت أحسب العالم يغص بالمسوخ والحيوانات المفترسة، وكنت أقول لكل من يحاول تسليتي: إن ما تقوله حق، ولكن كن واثقا من أنني لن أتبع نصحك.
وكنت أستند إلى النافذة وأقول لنفسي: سوف تأتي، لا ريب في أنها قادمة إلي، لقد دارت بمنعطف الشارع. إني أحس باقترابها مني. إنها لا تستطيع أن تحيا بدوني كما لا أستطيع أنا أن أحيا بدونها. ماذا عساني قائلا لها؟ وبأي وجه أستقبلها؟
وبينما أكون مستغرقا في هذه النجوى كان خداعها يفاجئ تذكاري؛ فأهتف قائلا: لا، لا أريد أن تجيء، لا أريد أن تقترب مني، فإنني أقتلها.
وما كنت سمعت عنها شيئا بعد أن أرسلت لها كتابي الأخير، فكنت أتساءل: ما تفعل الآن؟ أتراها مشغولة بعشق سواي؟ فما علي إذن إلا أن أعشق سواها.
صفحه نامشخص