لقد سلطت على هذه المرأة هائجات إعصارك، وهي المطالبة بتسكين ثائرها، فإذا ما تبعتها فأنت لا شك قاتلها.
كن على حذر يا هذا؛ فإن ملاك عاشقتك يترصد، وقد ألقى ضربة الموت على هذا المسكن ليطرد منه هذه الأهواء الجامحة في مهب العار، وها هو ذا يلهم بريجيت الفرار، ولعل ما يسر به إليها هو آخر نجواه.
احذر أيها القاتل، أيها الجلاد؛ فإنك تجاه حياة وتجاه موت.
بهذا كنت أخاطب نفسي عندما حانت مني التفاتة، فرأيت على المقعد ثوبا مخططا طوي وأعد ليدرج في الصندوق. وكان هذا الثوب قد شهد يوما من أسعد أيامنا، فأمررت يدي عليه ولمسته قائلا: أبوسعي أن أفارقك أيها الرداء الصغير؟ أفتريد أن تتخلى عني فتذهب وحدك؟
لا، إنني لا أقوى على ترك بريجيت، فإذا فعلت في مثل هذه الظروف كنت غادرا لئيما. لقد ماتت عمتها، وها هي ذي وحيدة تصدمها سعايات عدو مجهول، ولعل هذا العدو مركانسون بعينه؛ فقد يكون تحدث إلى الناس عن مقابلتي له، واستفهامي عن دالانس، مستنتجا من غيرتي ما جعله أساسا لإشاعته. ما هذا الرجل إلا حية رقطاء تقطر سمها الزعاف على زهرتي؛ فعلي أولا أن أعاقبه، ثم أتحول إلى رد ما سببته لبريجيت من أضرار.
ما أشد حماقتي! فإنني أفكر في التخلي عنها في حين يجب علي أن أكفر عن ذنوبي نحوها؛ فأعوضها سعادة وحبا عما ذرفت من دموع.
أما أنا سندها الوحيد في العالم، بل صديقها الأوحد، وسلاحها الذي تتقى به هجمات الدهر؟ فعلي أن أتبعها أيان ذهبت فأحميها بجسدي، وأعزيها عن حبها واستسلامها لي.
ودخلت إلى الغرفة التي بقيت بريجيت فيها وحدها وقلت لها أن تنتظرني ساعة ريثما أعود.
فسألتني: إلى أين أنت ذاهب؟ فقلت: انتظريني. لا تذهبي بدوني، واذكري كلمات راعول: «إلى أية جهة ذهبت سيكون شعبك شعبا لي، وسيكون إلهك إلهي، فأموت حيث تموتين، وأدفن حيث تدفنين.»
وخرجت مسرعا قاصدا مركانسون، فقيل لي: إنه ليس في بيته، وجلست أنتظر عودته أمام مكتبه الأسود القذر، وطال انتظاري، فعاودني تذكار مبارزتي لأجل عشيقتي الأولى، فقلت في نفسي: لقد أصبت بطلقة عيار ناري فجننت وسخر الناس بي، فماذا أتيت أفعل هنا الآن؟ ولن يقبل هذا الكاهن النزول إلى ساحة المبارزة، فإذا ما تحديته أجابني أن ثوبه يمنعه من سماع أقوالي، وهكذا ينفتح أمامه مجال التوغل في أحاديثه وإشاعاته على أثر هذه المقابلة.
صفحه نامشخص