طبقات الحنابلة
اعتقاد الإمام المبجل ابن حنبل(ذيل طبقات الحنابلة)
پژوهشگر
محمد حامد الفقي
ناشر
دار المعرفة
محل انتشار
بيروت
كتاب فيه اعتقاد الإمام المنبل أبي عبدالله أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي عنه
صفحه ۱
إملاء الشيخ الإمام أبي الفضل عبدالواحد بن عبدالعزيز بن الحارث التميمي رضي الله عنه
رواية ابن أخيه الشيخ الإمام جمال الإسلام أبي محمد رزق الله بن عبدالوهاب رضي الله عنه وأرضاه
رواية الشيخ الإمام الحافظ أبي الفضل محمد بن الناصر بن محمد بن علي البغدادي عن أبي محمد التميمي
رواية الشيخ الإمام الحافظ أبي محمد المبارك بن علي بن الحسين بن عبدالله ابن محمد محمد الطباخ البغدادي عنه
رواية أبي محمد عبدالله بن عبدالواحد بن علاق الأنصاري عنه فيما كتب له في الإجازة بسم الله الرحمن الرحيم
صفحه ۲۹۱
أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو محمد المبارك بن علي بن الحسين بن عبدالله ابن محمد المعروف بابن الطباخ البغدادي رحمه الله في الدنيا والآخرة إجازة قال حدثنا شيخنا الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن الناصر ابن محمد بن على البغدادي بها قال أخبرنا الإمام جمال الإسلام أبو محمد رزق الله بن عبدالوهاب التميمي قال أخبرنا عمي أبو الفضل عبدالواحد بن عبدالعزيز التميمي بجميع هذا الإعتقاد وقال جملة اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه والذي كان يذهب إليه
أن الله عز وجل واحد لا من عدد لا يجوز عليه التجزؤ ولا القسمة وهو واحد من كل جهة وما سواه واحد من وجه دون وجه وأنه موصوف بما أوجبه السمع والإجماع وذلك دليل إثباته وأنه موجود
قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه من قال إن الله عز وجل لم يكن موصوفا حتى وصفه الواصفون فهو بذلك خارج عن الدين
وبيان ذلك أن يلزمه أن لا يكون واحدا حتى وحده الموحدون وذلك فاسد وعنده انه قد ثبت أن الله تعالى قادر حي عالم وقرأ
﴿هو الحي لا إله إلا هو﴾
﴿وكان الله على كل شيء مقتدرا﴾
﴿وكان الله بكل شيء عليما﴾
صفحه ۲۹۳
قال وفي صفات الله تعالى مالا سبيل إلى معرفته إلا بالسمع مثل قوله تعالى
﴿وهو السميع البصير﴾
فبان بأخباره عن نفسه ما اعتقدته العقول فيه وأن قولنا
﴿سميع بصير﴾
صفة من لا يشتبه عليه شيء كما قال في كتابه الكريم ولا تكون رؤية إلا ببصر يعني من المبصرات بغير صفة من لا يغيب عليه ولا عنه شيءوليس ذلك بمعنى العلم كما يقوله المخالفون ألا ترى إلى قوله لموسى
﴿إنني معكما أسمع وأرى﴾
قال وقوله تعالى
﴿وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم﴾
يدل على أن معنى السميع غير معنى العليم وقال
﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها﴾
وقال عليه الصلاة والسلام سبحان من وسع سمعه الأصوات ومعنى ذلك من قوله أنه لو جاز أن يسمع بغير سمع لجاز أن يعلم بغير علم وذلك محال فهو عالم بعلم سميع بسمع
ومذهب أبي عبدالله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أن لله عز وجل وجها لا كالصور المصورة والأعيان المخططة بل وجه وصفه بقوله
﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾
ومن غير معناه فقد ألحد عنه وذلك عنده وجه في الحقيقة دون المجاز ووجه الله باق لا يبلى وصفة له لا تفنى ومن ادعى أن وجهه نفسه فقد ألحدو من غير معناه فقد كفر وليس معنى وجه معنى جسد عنده ولا صورة ولا تخطيط ومن قال ذلك فقد ابتدع
وكان يقول إن لله تعالى يدين وهما صفة له في ذاته ليستا بجارحتين وليستا بمركبتين ولا جسم ولا من جنس الأجسام ولا من جنس المحدود والتركيب ولا الأبعاض والجوارح ولا يقاس على ذلك ولا له مرفق ولا عضد ولا فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم يد إلا ما نطق القرآن به أو صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة فيه قال الله تعالى
﴿بل يداه مبسوطتان﴾
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلتا يديه يمين وقال الله عز وجل
﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾
وقال
﴿والسماوات مطويات بيمينه﴾
ويفسد أن تكون يده القوة والنعمة والتفضل لأن جمع يد أيد وجمع تلك أياد ولو كانت اليد عنده القوة لسقطت فضيلة آدم وثبتت حجة إبليس
صفحه ۲۹۴
وكان يقول إن الله تعالى علما وهو عالم بعلم لقوله تعالى
﴿وهو بكل شيء عليم﴾
ولقوله
﴿ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾
وذلك في القرآن كثير وقد بينه الله عز وجل بيانا شافيا بقوله عز وجل
﴿لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه﴾
وقال
﴿فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله﴾
وقال
﴿فلنقصن عليهم بعلم﴾
وهذا يدل على انه عالم بعلم وأن علمه بخلاف العلوم المحدثة التي يشوبها الجهل ويدخلها التغير ويلحقها النسيان ومسكنها القلوب وتحفظها الضمائر ويقومها الفكر وتقويها الذاكرة وعلم الله تعالى بخلاف ذلك كله صفة له لا تلحقها آفة ولا فساد ولا إبطال وليس بقلب ولا ضمير واعتقاد ومسكن ولا علمه متغاير ولا هو غير العالم بل هو صفة من صفاته ومن خالف ذلك وجعل العلم لقبا لله عز وجل ليس تحته معنى محقق فهذا عند أحمد رضي الله عنه خروج عن الملة
وكان يقول إن لله تعالى قدرة وهي صفة في ذاته وأنه ليس بعاجز ولا ضعيف لقوله عز وجل
﴿وهو على كل شيء قدير﴾
وقوله تعالى
﴿قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم﴾
الآية ولقوله
﴿فقدرنا فنعم القادرون﴾
ولقوله تعالى
﴿أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة﴾
ولقوله تعالى
﴿ذو القوة المتين﴾
فهو قدير قادر وعليم وعالم ولا يجوز أن يكون قديرا ولا قدرة له ولا يجوز أن يكون عليما ولا علم له
وكان يقول إن الله تعالى لم يزل مريدا والإرادة صفة له في ذاته خالف بها من لا إرادة له والإرادة صفة مدح وثناء لأن كل ذات لا تريد ما تعلم أنه كائن فهي منقوصة والله تعالى مريد لكل ما علم أنه كائن وليست إرادته كإرادات الخلق وقد أثبت ذلك لنفسه فقال
﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾
وقال تعالى
﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾
فلو كانت إرادته مخلوقة لكانت مرادة بإرادة أخرى وهذا مالا يتناهى وذلك في القرآن كثير وقد دلت العبرة على أن من لا إرادة له فهو مكره
صفحه ۲۹۵
وكان يقول إن لله عز وجل كلاما هو به متكلم وذلك صفة له في ذاته خالف بها الخرس والبكم والسكوت وامتدح بها نفسه فقال عز وجل في الذين اتخذواالعجل
﴿ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين﴾
فعابهم لما عبدوا إلها لا يتكلم ولا كلام له فلو كان إلهنا لا يتكلم ولا كلام له رجع العيب عليه وسقطت حجته على الذين اتخذوا العجل من الوجه الذي احتج عليهم به ويزيد ذلك أن إبراهيم عليه السلام أنب أباه بقوله
﴿يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا﴾
وحكى عن ابن مسعود وابن عباس أنهما فسرا قوله عز وجل
﴿قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون﴾
قالا غير مخلوق
وكان يقول إن القرآن كيف تصرف غير مخلوق وأن الله تعالى تكلم بالصوت والحرف
وكان يبطل الحكاية ويضلل القائل بذلك وعلى مذهبه أن من قال إن القرآن عبارة عن كلام الله عز وجل فقد جهل وغلط وأن الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل دون العبارة عنه ودون الحكاية له وتبطل الحكاية عنده بقوله عز وجل
﴿وكلم الله موسى تكليما﴾
و تكليما مصدر تكلم يتكلم فهو متكلم وذلك يفسد الحكاية ولم ينقل عن أحد من ائمة المسلمين من المتقدمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين عليهم السلام القول بالحكاية والعبارة فدل على أن ذلك من البدع المحدثة
وكان يقول إن الله عز وجل مستو على العرش المجيد وحكى جماعة عنه أن الاستواء من صفات الفعل وحكى جماعة عنه أنه كان يقول إن الاستواء من صفات الذات
صفحه ۲۹۶
وكان يقول في معنى الاستواء هو العلو والارتفاع ولم يزل الله تعالى عاليا رفيعا قبل أن يخلق عرشه فهو فوق كل شيء والعالي على كل شيء وإنما خص الله العرش لمعنى فيه مخالف لسائر الأشياء والعرش أفضل الأشياء وأرفعها فامتدح الله نفسه بأنه على العرش استوى أي عليه علا ولا يجوز ان يقال استوى بمماسة ولا بملاقاة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل ولا يلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش
وكان ينكر على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة وحكى عن عبدالرحمن بن مهدي عن مالك أن الله تعالى مستو على عرشه المجيد كما أخبر وأن علمه في كل مكان ولا يخلو شيء من علمه وعظم عليه الكلام في هذا واستبشعه
فهو سبحانه عالم بالأشياء مدبر لها من غير مخالطة ولا موالجة بل هو العالي عليها منفرد عنها وقرأ أحمد بن حنبل قوله تعالى
﴿وهو القاهر فوق عباده﴾
وقرأ
﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾
وقرأ
﴿يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون﴾
وقرأ
﴿إني متوفيك ورافعك إلي﴾
وقرأ
﴿يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون﴾
وذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه إلى أن الله عز وجل يغضب ويرضى وأن له غضبا ورضى وقرأ أحمد قوله عز وجل
﴿ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى﴾
فأضاف الغضب إلى نفسه وقال عز وجل
﴿فلما آسفونا انتقمنا منهم﴾
قال ابن عباس يعني اغضبونا وقوله أيضا
﴿فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه﴾
ومثل ذلك في القرآن كثير والغضب والرضى صفتان له من صفات نفسه لم يزل الله تعالى غاضبا على ما سبق في علمه أنه يكون ممن يعصيه ولم يزل راضيا على ما سبق في علمه أنه يكون مما يرضيه
وأنكر أصحابه على من يقول إن الرضى والغضب مخلوقان قالوا من قال ذلك لزمه أن غضب الله عز وجل على الكافرين يفنى وكذلك رضاه على الأنبياء والمؤمنين حتى لا يكون راضيا على أوليائه ولا ساخطا على أعدائه وسمى ما كان عن الصفة باسم الصفة مجازا في بعض الأشياء وسمى عذاب الله تعالى وعقابه غضبا وسخطا لأنهما عن الغضب كانا
صفحه ۲۹۷
وقد أجمع المسلمون لا يتناكرون بينهم إذا رأوا الزلازل والأمطار العظيمة انهم يقولون هذه قدرة الله تعالى والمعنى أنها عن قدرة كانت وقد يقول الإنسان في دعائه اللهم اغفر لنا علمك فينا وإنما يريد معلومك الذي علمته فيسمي المعلوم باسم العلم وكذلك سمى المرتضي باسم الرضى وسمى المغضوب باسم الغضب
مسألة وذهب إلى أن لله تعالى نفسا وقرأاحمد بن حنبل
﴿ويحذركم الله نفسه﴾
وقال عز وجل
﴿كتب ربكم على نفسه الرحمة﴾
وقال
﴿واصطنعتك لنفسي﴾
وليست كنفس العباد التي هي متحركة متصعدة مترددة في أبدانهم بل هي صفة له في ذاته خالف بها النفوس المنفوسة المجعولة ففارق الأموات وحكى في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى
﴿تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك﴾
قال تعلم ما في النفس المخلوقة ولا أعلم ما في نفسك الملكوتية
﴿إنك أنت علام الغيوب﴾
وأنكر على من يقول بالجسم وقال إن الأسماء مأخوذة بالشريعة واللغة وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على كل ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل
وكان يذهب إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار وقرأ
﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾
ولو لم يرد النظر بالعين ما قرنه بالوجه وأنكر نظر التعطف والرحمة لأن الخلق لا يتعطفون على الله تعالى ولا يرحمونه وأنكر الانتظار من أجل ذكر الوجه ومن أجل أنه تبعيض وتكرير ولأنه أدخل فيه إلى وإذا دخلت إلى فسد الانتظار قال الله تعالى
﴿ما ينظرون إلا صيحة واحدة﴾
وقال عز وجل
﴿فناظرة بم يرجع المرسلون﴾
فلما أراد الانتظار لم يدخل إلى وروى الحديث المشهور في قوله ترون ربكم إلى آخره
صفحه ۲۹۸
مسألة وكان يقول إن الله تعالى قديم بصفاته التي هي مضافة إليه في نفسه وقد سئل هل الموصوف القديم وصفته قديمان فقال هذا سؤال خطأ لا يجوز أن ينفرد الحق عن صفاته ومعنى ما قاله من ذلك أن المحدث محدث بجميع صفاته على غير تفصيل وكذلك القديم تعالى قديم بجميع صفاته
مسألة وعظم عليه الكلام في الاسم والمسمى وتكلم أصحابه في ذلك فمنهم من قال الاسم للمسمى ومنهم من قال الاسم هو المسمى والقول الأول قول جعفر بن محمد والقول الثاني قول جماعة من متكلمي أصحاب الحديث الذين طلبوا السلامة أمسكوا وقالوا لا نعلم
وكان يذهب إلى أن أفعال العباد مخلوقة لله عز وجل ولا يجوز أن يخرج شيء من أفعالهم عن خلقه لقوله عز وجل
﴿خالق كل شيء﴾
ثم لو كان مخصوصا لجاز مثل ذلك التخصيص في قوله
﴿لا إله إلا هو﴾
وأن يكون مخصوصا أنه إله لبعض الأشياء وقرأ
﴿وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة﴾
وقرأ
﴿عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة﴾
وقرأ
﴿وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين﴾
وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن أعمال الخلق التي يستوجبون بها من الله السخط والرضا فقال هي من العباد فعلا ومن الله تعالى خلقا لا تسأل عن هذا أحدا بعدي
وكان أحمد يذهب إلى أن الاستطاعة مع الفعل وقرأ قوله عز وجل
﴿انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا﴾
وقرأ
﴿ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا﴾
والقوم لا آفة بهم وكان موسى تاركا للصبر وقرأ
﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم﴾
فدل على عجزنا ودل ذلك على ان الخلق بهذه الصفة لا يقدرون إلا بالله ولا يصنعون إلا ما قدره الله تعالى وقد سمي الإنسان مستطيعا إذا كان سليما من الآفات
صفحه ۲۹۹
مسألة وكان يقول إن الله تعالى أعدل العادلين وإنه لا يلحقه جور ولا يجوز أن يوصف به عز عن ذلك وتعالى علوا كبيرا وأنه متى كان في ملكه مالا يريده بطلت الربوبية وذلك مثل أن يكون في ملكه مالا يعلمه تعالى الله علوا كبيرا
قال أحمد بن حنبل ولو شاء الله أن يزيل فعل الفاعلين مما كرهه أزاله ولو شاء أن يجمع خلقه على شيء واحد فعله إذ هو قادر على ذلك ولايلحقه عجز ولا ضعف ولكنه كان من خلقه ما علم وأراد فليس بمغلوب ولا مقهور ولا سفيه ولا عاجز بريء من لواحق التقصير وقرأ قوله تعالى
﴿ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها﴾
﴿ولو شاء الله لجمعهم على الهدى﴾
﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا﴾
وهو عز وجل لا يوصف إذا منع بالبخل لأن البخيل هو الذي يمنع ما وجب عليه فاما من كان متفضلا فله أن يفعل وله أن لا يفعل
واحتج رجل من أصحابنا يعرف بأبي بكر بن أحمد بن هانىء الإسكافي الأثرم فقال جعل الله تعالى العقوبة بدلا من الجرم الذي كان من عبده وهو مريد للعقوبة على الجرم وفي ذلك دليل واضح على أنه مريد لما أوجب العقوبة لأن كل من اراد البدل من الشيء فقد أراد المبدل ليصح بدله وليس يصح إرادته للبدل حتى يصح البدل
وأيضا فقد خلق الله من يعلم أنه يكفر ولم يكن بذلك سفيها ولا عابثا وكذلك أيضا إذا أراد سفههم لا يكون سفيها ولو جاز أن يقع من الفاعلين فعل لا يريده الله ولا يلحقه في ذلك ضعف ولا وهن ولا عجز ولا غلبة ولا قهر لأنه قادر أن يلجئهم إليه كان جائزا أن يقع منه فعل لا يريده ولا يقع منه ضعف ولا وهن ولا تقصير لأنه قادر على تكوينه وإيقاعه وإذا بطل هذا بطل أن يكون من الأفعال مالا يريده
وذهب أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى إلى أن عدل الله عز وجل لا يدرك بالعقول فلأجل ذلك كان من حمله على عقله جوره
صفحه ۳۰۰
وشرح بعض أصحابه ذلك فقال لما كان الله سبحانه وتعالى لا يتصور بالعقول ولا يتمثله التمييز وفات العقول دركه ومع ذلك فهو شيء ثابت وما تصور بالعقل فالله بخلافه وكذلك صفاته فمن حمل الربوبية وصفاتها على عقله رجع حسيرا ورام أمرا ممتنعا عسيرا والمخالفون بنوا أصولهم في التعديل والتجوير على عقولهم العاجزة عن درك الربوبية ففسد عليهم النظر
وكان أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول إن الله تعالى يكره الطاعة من العاصي كما يكره المعصية من الطائع حكاه ابن أبي داود وقرأ
﴿ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم﴾
وانبعاثهم طاعة الله والله يكرهه
وكان أحمد بن حنبل يذهب إلى أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالقلب يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ويقوى بالعمل ويضعف بالجهل وبالتوفيق يقع وأن الإيمان اسم يتناول مسميات كثيرة من أفعال وأقوال وذكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق
وعنده أن الصلاة يقع عليها اسم إيمان وقراءة القرآن يقع عليها اسم إيمان
وسئل عن الإيمان أمخلوق أو غير مخلوق فقال من قال إن الإيمان مخلوق فقد كفر لأن في ذلك إيهاما وتعريضا بالقرآن ومن قال إنه غير مخلوق فقد ابتدع لأن في ذلك إيهاما وتعريض أن أماطة الأذى عن الطريق وأفعال الأركان غير مخلوقة فكأنه أنكر على الطائفتين
صفحه ۳۰۱
واصله الذي بني عليه مذهبه أن القرآن إذا لم ينطق بشيء ولا روى في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء وانقرض عصر الصحابة ولم ينقل فيه عنهم قول الكلام فيه حدث في الإسلام فلأجل ذلك أمسك عن القول في خلق الإيمان وأن لا يقطع على جواب في أنه مخلوق أو غير مخلوق وفسق الطائفتين وبدعهما
وكان يذهب إلى أن التوراة والإنجيل وكل كتاب أنزله الله عز وجل غير مخلوق إذا سلم له أنه كلام الله تعالى
وكان يكفر من يقول إن القرأن مقدور على مثله ولكن الله تعالى منع من قدرتهم بل هو معجز في نفسه والعجز قد شمل الخلق
وكان يقول إن الإيمان يزيد ويقرأ
﴿ويزداد الذين آمنوا إيمانا﴾
ويقرأ
﴿فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون﴾
وما جاز عليه الزيادة جاز عليه النقصان
وكان يقول إن الإيمان غير الإسلام
وكان يقول إن الله سبحانه قال
﴿فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين﴾
استثناءمن غير الجنس
وفرق أصحابه بين الإيمان والإسلام فقالوا حقيقة الإيمان التصديق وحقيقة الإسلام الاستسلام فلا يفهم من معنى التصديق الاستسلام ولا يفهم من معنى الاستسلام التصديق واستدل أحمد بن حنبل بحديث الأعرابي وسؤاله عن الإيمان والإسلام وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما بجوابين مختلفين واستدل أيضا بحديث الأعرابي الآخر وقوله يا رسول الله أعطيت فلانا ومنعتني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مؤمن فقال الآعرابي وأنا مؤمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أو مسلم وبحديث وفد عبدالقيس وبقوله عز وجل
﴿قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا﴾
صفحه ۳۰۲
وكان لا يكفرأحدا من أهل القبلة بذنب كبيرا كان أو صغيرا إلا بترك الصلاة فمن تركها فقد كفر وحل قتله قاله ابن حنبل ويستدل بقوله عز وجل
﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله﴾
فقد جمع بينهم في الاصطفاء
وكان لا يفسق الفقهاء في مسائل الخلاف
وكان يسلم أحاديث الفضائل ولا ينصب عليها المعيار وينكر على من يقول إن هذه الفضيلة لأبي بكر باطلة وهذه الفضيلة لعلي باطلة لأن القوم أفضل من ذلك ولا يتبرأ من عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يجمع المسلمون على التبرىء منها
ويقول إن لله تعالى ميزانا يزن فيه الحسنات والسيئات ويرجع إلى الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقول إن الذنوب من ورائها الاستغفار والتوية وإن اخترمته المنية قبل الاستغفار والتوبة فأمره مرجي إلى الله عز وجل إن شاء غفر وإن شاء عاقب ويجوز عنده أن يغفر الله لمن يتب واستدل على ذلك بقوله
﴿وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم﴾
والتائب لا يقال له ظالم واستدل بقوله عز وجل
﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله﴾
والتائب لا يقال له مسرف
ويقول إن الشهداء بعد القتل باقون يأكلون أرزاقهم
صفحه ۳۰۳
وكان يقول إن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون وأن الميت يعلم بزائره يوم الجمعة بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس وأن الله تعالى يعذب قوما في قبروهم ويذهب إلى الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لله تعالى صراطا يعبر عليه الناس وأن عليه حيات تأخذ بالأقدام وأن العبور عليه على مقادير الأعمال مشاة وسعاة وركبانا وزحفا ويذهب إلى الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استجيدوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط وأن لله تعالى ملكين يقال لأحدهما منكر والآخر نكير يلجان إثر الميت في قبره فإما يبشرانه وإما يخوفانه ويذهب إلى حديث عمر رضي الله عنه كيف بك إذا نزلا بك وهما فظان غليظان فأقعداك وأجلساك وسألاك فتغير عمر بن الخطاب وقال يارسول الله وعقلي معي فقال إذن كفيتهما وذكر حديث ابن عباس في قوله عز وجل
﴿لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾
قال عند سؤال منكر ونكير
وكان يقول إن الله تعالى يجيب دعوة الداعي المؤمن والكافر ويفاوت بينهم في السؤال
وكان يقول إن من خالف الإجماع والتواتر فهو ضال مضل ويفسق من خالف خبر الواحد مع التمكن من استعماله 3 وكان يقول إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وإن عليا رابعهم في الخلافة والتفضيل ويتبرأ ممن ضللهم وكفرهم
وكان يقول أنه لا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله وسائر الأمة يجوز عليهم الخطأ
وكان يقول إن الإجماع إجماع الصحابة
وكان يقول إن صح إجماع بعد الصحابة في عصر من الأعصار قلت به
صفحه ۳۰۴
وكان يقول لو لم يجز أن يفعل الله تعالى الشر لما حسنت الرغبة إليه في كشفه وأن للعبد ملائكة يحفظونه بأمر الله وأن القضاء والقدر يوجبان التسليم وان الغزو مع الأئمة واجب وإن جاروا 3 وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرى الصلاة خلف كل بر وفاجر وقد صلى ابن عمر خلف الحجاج يعني الجمعة والعيدين وأن الفيء يقسمه الإمام فإن تناصف المسلمون وقسموه بينهم فلا باس به وأنه إن بطل أمر الإمام لم يبطل الغزو والحج وأن الإمامة لا تجوز إلا بشروطها النسب والإسلام والحماية والبيت والمحتد وحفظ الشريعة وعلم الأحكام وصحة التنفيذ والتقوى وإتيان الطاعة وضبط أموال المسلمين فإن شهد له بذلك أهل الحل والعقد من علماء المسلمين وثقاتهم أو أخذ هو ذلك لنفسه ثم رضيه المسلمون جاز له ذلك وأنه لا يجوز الخروج على إمام ومن خرج على إمام قتل الثاني ويجوز الإمامة عنده لمن اجتمعت فيه هذه الخصال وإن كان غيره أعلم منه
وكان يقول إن الخلافة في قريش ما أقاموا الصلاة
وكان يقول لا طاعة لهم في معصية الله تعالى
وكان يقول من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة وإن قدرتم على خلعه فافعلوا
وكان يقول الدار إذا ظهر فيها القول بخلق القرآن والقدر وما يجري مجرى ذلك فهي دار كفر
وكان يقول الداعية إلى البدعة لا توبة له فأما من ليس بداعية فتوبته مقبولة
وكان يقول إن الإيمان منوط بالإحسان والتوبة رأس مال المتقين
وكان يقول إن الفقر أشرف من الغنى وإن الصبر أعظم مرارة وانزعاجه أعظم حالا من الشكر
وكان يقول الخير فيمن لا يرى لنفسه خيرا
وكان يقول على العبد أن يقبل الرزق بعد اليأس ولا يقبله إذا تقدمه طمع
وكان يحب التقلل طلبا لخفة الحساب
صفحه ۳۰۵
وكان يقول إن الله تعالى يرزق الحلال والحرام ويستدل بقوله عز وجل
﴿كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا﴾
يعني ممنوعا
وكان يقول إن الرزق مقسوم لا زيادة فيه ولا نقصان وإن وجه الزيادة أن يلهمه الله تعالى إنفاقه في طاعة فيكون ذلك زيادة ونماء وكذلك الأجل لا يزاد فيه ولا ينقص منه ووجه الزيادة في الأجل أن يلهمه الطاعة فيكون مطيعا في عمره فبالطاعة يزيد وبالمعاصي ينقص وأما المدة عنده فلا تزيد ولا تنقص وقرأ
﴿لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾
وكان يذهب إلى جواز الكرامات للأولياء ويفرق بينها وبين المعجزة وذلك أن المعجزة توجب التحري إلى صدق من جرت على يده فإن جرت على يدي ولي كتمها وأسرها وهذه الكرامة وتلك المعجزة وينكر على من رد الكرامات ويضلله
وكان يأمر بالكسب لمن لا قوت له ويأمر من له قوت بالصبر ويجعله فريضة عليه
وكان يقول إن بعض النبيين أفضل من بعض ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم والملائكة أيضا بعضهم أفضل من بعض وإن بني آدم أفضل من الملائكة ويخطىء من يفضل الملائكة على بني آدم
ويقول إن الوصية قبل الموت أخذ بالحزم للقاء الله عز وجل ويقول إن التائب من الذنوب كمن لا ذنب له
ويقول من كان له ورد فقطعه خفت عليه أن يسلب حلاوة العبادة
قال إبراهيم الحربي سمعت أحمد بن حنبل يقول إن أحببت أن يدوم الله لك على ما تحب فدم له على ما يحب
صفحه ۳۰۶
وكان يقول أهل الصفة أعيان الصحابة
وكان يقول الصبر على الفقر مرتبة لا ينالها إلا الأكابر
وسأله رجال طلبت العلم بنية فقال هذا شرط شديد ولكن حبب إلي شيء فجمعته
وسئل قبل موته بيوم عن احاديث الصفات فقال تمر كما جاءت ويؤمن بها ولا يرد منه شيء إذا كانت بأسانيد صحاح ولا يوصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية
﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾
ومن تكلم في معناها ابتدع
وكان يقول أصحاب الحديث أمراء العلم
وكان يقول إذا ذكرالحديث فمالك بن أنس هو النجم وكان يقول سفيان الثوري جمع الحالين العلم والزهد وكان يقول سفيان بن عيينة حفظ على الناس ما لولاه لضاع وكان يقول الشافعي من احباب قلبي وكان يقول هل رأت عيناك مثل وكيع وكان يقول أنا أحب موافقة أهل المدينة وكان يحب قراءة نافع لأنها أكثر اتباعا
فهذا وما شاكله محفوظ عنه وما خلف ذلك فكذب عليه وزور
وكان دعاؤه في سجوده اللهم من كان من هذه الأمة على غير الحق وهو يظن أنه على الحق فرده إلى الحق ليكون من أهل الحق وكان يقول اللهم إن قبلت عن عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فداء فاجعلني فداهم تم الإعتقاد بحمد الله ومنه وحسن توفيقه قال في الأصل
صفحه ۳۰۷
وفرغ من نسخه العبد المعترف بذنبه الفقير إلى ربه عبدالقوي بن عبدالله ابن رحال بن عبدالله بن أبي القاسم بن أبي القرشي الشافعي حامدا لله وحده مصليا على محمد وآله وصحبه ومسلما تسليما
وذلك في ليلة الثلاثاء الرابع من ربيع الأول سنة ست وسبعين وخمسمائة
وكان تمام نسخه على يد حامد بن محمد أديب التقي في 13 رمضان سنة 1342 من نسخة قديمة في المكتبة العمومية الظاهرية بدمشق ( من كتاب الأمر بالمعروف للخلال رقم 245 حديث )
وكان الفراغ من طبعه بحمد الله وحسن توفيقه بمطبعة السنة المحمدية وصلى الله وسلم وبارك على عبده الكريم محمد وآله وصحبه
صفحه ۳۰۸