خطبة المؤلف
الحمد لله الذي له العزة، وذلت دونه الأعزة، والغني الذي افتقر إلى رحمته الأغنياء، وبنعمته استقلت الأعداء والأولياء، فأفصحت ألسنة الآمال بالافتقار إليه، ولا غنية لأحد عما لديه، تسبح له السموات والأرض، ومن فيهن ناطق بربوبيته، وشاهد بوحدانيته، وأشهد أن لا إله إلا الله العلي الأبد، الدائم الصمد، القيوم الأحد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل الرسل، وخير من هدى إلى خير السبل، صلوات الله عليه وعلى آله الخيرة البررة الأطهار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
أما بعد: فقد سألت إملاء مختصر في المواعظ عن أشتات الناس، ونبذ من فنون ما نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل البيت عليهم السلام، فأجبتك إليه متوكلا عليه، واستمددت من فضله عون التسديد ونجح التوفيق فإنه مجيب. هذا وفقك الله لرشاد الدارين وسداد الحظين، وكساك فضل العارفين، وجمال المتنسكين، وكمال المتقربين، وآنسك بوحدة المريدين، وأذاقك حلاوة المنقطعين، وخصك بخشية المتألهين، وزينك بوقار المتعبدين، وأكرمك بمقام المستبينين، وأصبح عقلك مستنيرا بمصباح المتقين، وضاء بنور الفائزين، وخفف عليك عبء المجتهدين، وجلا عنك جهد المستبقين، وصبر المنيبين، ووعظتك نفسك قبل الاتعاظ بك، وزجرتك عن زخرف الغرور قبل الانزجار بك، وألهمك سنة الاستعداد لمشقة المعاد، قبل انقطاع اللحاق، وفوات الارتفاق، وانقراض الحياة، وترادف الحسرات، وتحزب العبرات، وأيقظتك الخلفتان بالتأهب، قبل انكشاف التحزن والتلهب، وفجأة هادم اللذات، وذكرك مصرع البلوى والبلى هجر الشهوات والغفلات والاشتياق إلى الطاعات.
صفحه ۳۳