{ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصرهم غشوة ولهم عذاب عظيم} الختم: الوسم بطابع أو غيره مما يوسم به. القلب: مصدر قلب، والقلب: اللحمة الصنوبرية المعروفة سميت بالمصدر، وكني به في القرآن وغيره عن العقل، وأطلق أيضا على لب كل شيء وخالصه. السمع: مصدر سمع سمعا وسماعا وكني به في بعض المواضع عن الأذن. البصر: نور العين، وهو ما تدرك به المرئيات. الغشاوة: الغطاء، غشاه أي غطاه، وتصحح الواو لأن الكلمة بنيت على تاء التأنيث، كما صححوا اشتقاقه، وعلى تقدير إعراب الذين يؤمنون، الأول والثاني مبتدأ، فإنما هو في معنى من تمام صفة المتقين، وسواء وما بعده يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون لا موضع له من الإعراب، ويكون جملة اعتراض من مبتدأ وخبر، بجعل سواء المبتدأ والجملة بعده الخبر أو العكس، والخبر قوله: لا يؤمنون، ويكون قد دخلت جملة الاعتراض تأكيدا لمضمون الجملة، لأن من أخبر الله عنه أنه لا يؤمن استوى إنذاره وعدم إنذاره. والوجه الثاني: أن يكون له موضع من الإعراب، وهو أن يكون في موضع خبر إن، فيحتمل لا يؤمنون أن يكون له موضع من الإعراب، إما خبر بعد خبر على ذهب من يجيز تعداد الأخبار، أو خبر مبتدأ محذوف أي هم لا يؤمنون، وجوزوا فيه أن يكون في موضع الحال وهو بعيد، ويحتمل أن يكون لا موضع له من الإعراب فتكون جملة تفسيرية لأن عدم الإيمان هو استواء الإنذار وعدمه، كقوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة}(المائدة: 9)، أو يكون جملة دعائية وهو بعيد، وإذا كان لقوله تعالى: أأنذرتهم أم لم تنذرهم} موضع من الإعراب فيحتمل أن يكون سواء خبر إن، والجملة في موضع رفع على الفاعلية، وقد اعتمد بكونه خبر الذين، والمعنى: إن الذين كفروا مستو إنذارهم وعدمه. وفي كون الجملة تقع فاعلة خلاف مذهب جمهور البصريين أن الفاعل لا يكون إلا اسما أو ما هو في تقديره، ومذهب هشام وثعلب وجماعة من الكوفيين جواز كون الجملة تكون فاعلة، وأجازوا: يعجبني يقوم زيد، وظهر لي أقام زيد أم عمرو، أي قيام أحدهما، ومذهب الفراء وجماعة: أنه إن كانت الجملة معمولة لفعل من أفعال القلوب وعلق عنها، جاز أن تقع في موضع الفاعل أو المفعول الذي لم يسم فاعله وإلا فلا، ونسب هذا لسيبويه. قال أصحابنا: والصحيح المنع مطلقا وتقرير هذا في المبسوطات من كتب النحو. ويحتمل أن يكون قوله: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} مبتدأ وخبرا على التقديرين اللذين ذكرناهما إذا كانت جملة اعتراض، وتكون في موضع خبر إن، والتقديران المذكوران عن أبي علي الفارسي وغيره. وإذا جعلنا سواء المبتدأ والجملة الخبر، فلا يحتاج إلى رابط لأنها المبتدأ في المعنى والتأويل، وأكثر ما جاء سواء بعده الجملة المصدرة بالهمزة المعادلة بأم {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا}(إبراهيم: 21)، سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون}(الأعراف: 193)، وقد تحذف تلك الجملة للدلالة عليها، اصبروا أو لا تصبروا، سواء عليكم}(الطور: 16) أي أصبرتم أم لم تصبروا، وتأتي بعده الجملة الفعلية المتسلطة على اسم الاستفهام، نحو: سواء علي أي الرجال ضربت، قال زهير:
سواء عليه أي حين أتيته
أساعة نحس تتقي أم بأسعد
وقد جاء بعده ما عري عن الاستفهام، وهو الأصل، قال:
سواء صحيحات العيون وعورها
وأخبر عن الجملة بأن جعلت فاعلا بسواء أو مبتدأة، وإن لم تكن مصدرة بحرف مصدري حملا على المعنى وكلام العرب منه ما طابق فيه اللفظ المعنى، نحو: قام زيد، وزيد قائم، وهو أكثر كلام العرب، ومنه ما غلب فيه حكم اللفظ على المعنى، نحو: علمت أقام زيد أم قعد، لا يجوز تقديم الجملة على علمت، وإن كان ليس ما بعد علمت استفهاما، بل الهمزة فيه للتسوية. ومنه ما غلب فيه المعنى على اللفظ، وذلك نحو الإضافة للجملة الفعلية نحو:
صفحه ۳۱