وقرأ أبو الشعثاء: {لا ريب فيه} بالرفع، وكذا قراءة زيد بن علي حيث وقع، والمراد أيضا هنا الاستغراق، لا من اللفظ بل من دلالة المعنى، لأنه لا يريد نفي ريب واحد عنه، وصار نظير من قرأ: {فلا رفث ولا فسوق}(البقرة: 197) بالبناء والرفع، لكن البناء يدل بلفظه على قضية العموم، والرفع لا يدل لأنه يحتمل العموم، ويحتمل نفي الوحدة، لكن سياق الكلام يبين أن المراد العموم، ورفعه على أن يكون ريب مبتدأ وفيه الخبر، وهذا ضعيف لعدم تكرار لا، أو يكون عملها إعمال ليس، فيكون فيه في موضع نصب على قول الجمهور من أن لا إذا عملت عمل ليس رفعت الإسم ونصبت الخبر، أو على مذهب من ينسب العمل لها في رفع الإسم خاصة، وأما الخبر فمرفوع لأنها وما عملت فيه في موضع رفع بالابتداء كحالها إذا نصبت وبني الإسم معها، وذلك في مذهب سيبويه، وسيأتي الكلام مشبعا في ذلك عند قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (البقرة: 197)، وحمل لا في قراءة لا ريب على أنها تعمل عمل ليس ضعيف لقلة إعمال لا عمل ليس، فلهذا كانت هذه القراءة ضعيفة. وقرأ الزهري، وابن محيصن، ومسلم بن جندب، وعبيد بن عمير، فيه: بضم الهاء، وكذلك إليه وعليه وبه ونصله ونوله وما أشبه ذلك حيث وقع على الأصل. وقرأ ابن أبي إسحاق: فهو بضم الهاء ووصلها بواو، وجوزوا في قوله: أن يكون خبرا للا على مذهب الأخفش، وخبرا لها مع اسمها على مذهب سيبويه، أن يكون صفة والخبر محذوف، وأن يكون من صلة ريب بمعنى أنه يضمر عامل من لفظ ريب فيتعلق به، إلا أنه يكون متعلقا بنفس لا ريب، إذ يلزم إذ ذاك إعرابه، لأنه يصير اسم لا مطولا بمعموله نحو: لا ضاربا زيدا عندنا، والذي نختاره أن الخبر محذوف لأن الخبر في باب لا العاملة عمل إن إذا علم لم تلفظ به بنو تميم، وكثر حذفه عند أهل الحجاز، وهو هنا معلوم، فاحمله على أحسن الوجوه في الإعراب {ذلك الكتاب لا ريب فيه} وبعضهم جعله على حذف مضاف، أي لا سبب فيه لوضوح آياته وإحكام معانيه وصدق أخباره. وهذه التقادير لا يحتاج إليها. واختيار الزمخشري أن فيه خبر، وبذلك بني عليه سؤالا وهو أن قال: هلا قدم الظرف على الريب كما قدم على القول في قوله تعالى: {لا فيها غول}(الصافات: 47)؟ وأجاب: بأن التقديم يشعر بما يبعد عن المراد، وهو أن كتابا غيره فيه الريب، كما قصد في قوله: {لا فيها غول} تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي، كأنه قيل: ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة. وقد انتقل الزمخشري من دعوى الاختصاص بتقديم المفعول إلى دعواه بتقديم الخبر، ولا نعلم أحدا يفرق بين: ليس في الدار رجل، وليس رجل في الدار، وعلى ما ذكر من أن خمر الجنة لا يغتال، وقد وصفت بذلك العرب خمر الدنيا، قال علقمة بن عبدة:
تشفي الصداع ولا يؤذيك طالبها
صفحه ۱۸