لأنه ليس معنى عبادة يمكن أن ينفرد بها رجل واحد فى جميع الدنيا ، ولا يشاركه غيره فى تلك العبادة بعينها إلا الطواف ، فإنه يمكن أن ينفرد بها شخص واحد بحسب الظاهر والله أعلم بالسرائر.
حتى حكى إلى والدى ( رحمه الله تعالى): «أن وليا من أولياء الله تعالى أرصد الطواف الشريف أربعين عاما ليلا ونهارا ؛ ليفوز بالطواف وحده فرأى بعد هذه المدة خلو المطاف الشريف ، فتقدم ليشرع ، فإذا بحية تشاركه فى ذلك الطواف ، فقال لها : ما أنت ممن خلق الله تعالى؟ فقالت : إنى أرصد ما رصدته قبلك بمائة عام ، فقال لها : حيث كنت أنت ممن غير البشر فإنى فزت بالانفراد بهذه العبادة من بين البشر ، وأتم طوافه.
وحكى شيخ معمر من أهل مكة : «أنه شاهد الظباء تنزل من جبل أبى قبيس إلى الصفا وتدخل من باب الصفا إلى المسجد ثم تعود لخلو المسجد من الناس وهو صدوق عندى وكنا نرى سوق المسعى وقت الضحى خاليا من الباعة ، وكنا نرى القوافل تأتى بالحنطة من بجيلة ، فلا يجد أهلها من يشترى منهم جميع ما جلبوه ؛ فكانوا يبيعون ما جاؤوا به بالأجل ، اضطرارا ليعودوا بعد ذلك ، ويأخذوا أثمان ما باعوه ، وكانت الأسعار رخية جدا لقلة الناس ، وعزة الدراهم.
وأما الآن فالناس كثيرون ، والرزق واسع ، والخير كثير ، والخلق مطمئنون آمنون ؛ فى ظلال السلطة الشريفة ، خائضون فى بحر إنعامها ، وإحسانها ، ونعمتها الوفيرة ، أدام الله تعالى سلطنة الزاهرة ، وأطال عمره الشريف ، وخلد دولته القاهرة ، وخلافته الباهرة.
ومكة شرفها الله تعالى يحيط بها جبال لا يسلك إليها الخيل ، والإبل ، والأحمال ؛ إلا من ثلاث مواضع :
أحدها : من جهة المعلا.
والثانية : من جهة الشبيكة.
والثالثة : من جهة المسفلة.
صفحه ۴۱