واعلم أن الشيخين قالا: في كتب أصحاب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه اعتناء تام بتفصيل الأقوال والأفعال المقتضية للكفر، وأكثرها مما يقتضي إطلاق أصحابنا الموافقة عليه، واعترضهما الزركشي أخذًا من كلام شيخه الأذرعي وغيره بأن أكثرها مما يجب التوقف فيه، بل لا يوافق أصل أبي حنيفة، فإنه صحَّ عنه أنه قال: لا أكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، ولا يجوز الإفتاء بذلك لا على مذهب الشافعي لسكوت الرافعي عنه، ولا على مذهب أبي حنيفة لأنه ذلك مخالف لعقيدته، ومن قواعده أن معنا أصلًا محققًا وهو الإيمان، فلا نرفعه إلا بيقين مثله يضاده، وغالب هذه المسائل موجودة في كتب الفتاوى للحنفية ينقلونها عن مشايخهم وكان المتورعون من متأخري الحنفية ينكرون أكثرها ويخالفونهم، ويقولون: هؤلاء لا يجوز تقليدهم لأنهم غير معروفين بالاجتهاد، ثم لم يخرّجوها على أصل أبي حنيفة؛ لأنه خلاف عقيدته، وليتنبه لهذا وليحذر من يبادر إلى التكفير في هذه المسائل منا ومنهم، فيخاف عليه أن يكفر؛ لأنه كفَّر مسلمًا، ونحن لا نكفر إلا من شاق النبي ﷺ وأنكر ما يعلم بالضرورة من شرعه أنه من الدين انتهى.
ولا يخفى عليك أن الشيخين هما الحجة وعلى ما قالاه المعوّل وإن تُعقبا بمثل هذه الكلمات.
والعجب من المتعقبين لذلك والقائلين لهذه الكلمات حيث وافقوا الشيخين على أكثرها، بل وقالوا في كثير مما قال النووي وحده أو مع الرافعي أنه ليس بكفر أن الصواب أنه كفر، وستعلم ذلك جميعه إن صدق تأملك مما سأمليه
1 / 110