قال بعض مجازفيهم لعوامه: هذا الإفتاء كفر، وعلله بأنه يقتضي أنّ قائل هذا اللفظ يكفر مطلقًا وليس كذلك، ومن كفّر مسلمًا فقد كفر، ثم اعترضوه بأمور أخرى، منها: كيف يُفرع التعزير على الحكم بأنه كفر، ومنها: كيف يكتب المفتي التعزير الشديد، والتعزير راجع إلى رأي الإمام في الشدة والضعف.
ومنها أن من صدر منه ذلك مثله لا يفتى عليه، ومنها أن الجواب غير مطابق للسؤال، هذا ما نُقل إلي، وسمعته من اعتراضاتهم، وهي لدلالتها على غباوة قائلها غنية عن التعرض لها بردّ أو إبطال، لكن أحببت في هذا التأليف تحرير الألفاظ المكفرة التي ذكرها أصحابنا وغيرهم، فإن هذا باب منتشر جدًا، وقد اضطربت فيه أفكار الأئمة وعباراتهم، وزلت فيه أقدام كثيرين، ولخطر أمره وحكمه كان حقيقًا بالإفراد بالتأليف، ولم أر أحدًا عرج على ذلك، فقصدت تسهيل جمعه وبيان ما وقع للناس فيه بحسب ما اطلعت عليه، وضممت إلى ذلك فوائد عثر عليها فكري الفاتر، واستنتجها نظري القاصر.
أسأل الله أن يجعلني ممن هداه، وهدى به، وأن يصيّرني ممن وصل الخير لهذه الأمة بسببه، إنه جواد كريم رؤوف رحيم، غافر الزلات وراحم العثرات، فعليه التكلان ومنه التأييد والامتنان، وإليه المفزع في المهمات، ومن فيض فضله يغترف أسباب السداد والعصمة في الملمات.
ولنتكلم أولًا على الحكم الذي أبديناه في "يا عديم الدين" مقدمين عليه الكلام على من قال لمسلم: "يا كافر" فإنه الأصل الذي أخذت منه ما أشرت إليه في الجواب من التفصيل، ثم نعقبه برد ما ذكروه من الشُبه، ثم بتحرير بقية الألفاظ التي تقع بين الناس مما اتفق على أنها كفر أو اختلف فيه، فنقول: عبارة
1 / 46