لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة. وأشهد أن صفوته منهم، وخيرته من جميعهم، صفيه المحبب، ونجي وحيه المقرب، المبتعث نعمة ورحمة، المخرج في خير أمة، المؤيد بالحجج القاهرة، والآيات الظاهرة الباهرة، محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذو الحسب الصميم، والخلق العظيم، المأمون الأمين، الآخذ العفو والآمر بالعرف، والمعرض عن الجاهلين، خصه الله بالقرآن العظيم الذي عجزت عن معارضته الفصحاء، وحارت في درك معانيه الألباء، وجعله آية باقية على مرور الأعصار وتعاقب الأزمان، وحفظه في خلال ذلك من الزيادة والنقصان، وعم بدعوته جميع الأمم، فأمره بإنذار كافتهم من العرب والعجم، ونسخ بملته سائر ما شرعه من الأديان والملل، وختم برسالته جميع الأنبياء والرسل، ونص على ذلك لكي لا يهلك هالك، أو يدعي آفك. فقال في محكم كتابه المبين: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما}.
وأمر تعالى جميع مخلوقاته بطاعته، وعبدها لتقف عند إرادته. فسئل صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر، فأمره فانشق له فرقتين بملاء من سأله ذلك من أهل الأخشبين، وأمر جلت قدرته الجمادات أن تعقل مصبحه وممساه، وتتقبل أمره فلا تتعداه.
وكان صلوات الله عليه لا يمر بحجر ولا شجر؛ إلا حياه، ولما فارق الجذع حن إليه حتى كاد أن ينقصف، وأمر العذق بالإقبال إليه، فأقبل، ثم أمره بالانصراف إلى موضعه، فانصرف. وأخبرته الذراع بما ضمنته من ذعاف السم فأفصحت، ونطقت الحصباء في كفه، فذكرت الله وسبحت.
وعدم صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه الماء، فأجراه الله سبحانه من بين أصابعه نميرا، ونفد طعامهم غير مرة إلا اليسير، فصيره بدعوته كثيرا، وطهر له الأرض فجعلها مسجدا له ولأمته، وجعل تربتها طهورا.
صفحه ۱۰