الباب الأول في بعض ما نطق به القرآن من الكلام الموجز المعجز
من أراد أن يعرف جوامع الكلم «١» ، ويتنبه على فضل الإعجاز والاختصار، ويحيط ببلاغة الإيماء «٢» ، ويفطن لكفاية الإيجاز، فليتدبر القرآن، وليتأمل علوه على سائر الكلام:
(١)
فمن ذلك قوله- عزّ ذكره-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا
[فصلت: ٣٠] «استقاموا» كلمة واحدة تفصح عن الطاعات كلها في الائتمار «٣» والانزجار.
وذلك لو أن إنسانًا أطاع الله- سبحانه- مئة سنة، ثم سرق حبة واحدة، لخرج بسرقتها عن حد الاستقامة!
(٢)
ومن ذلك قوله- ﷿ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
[يونس: ٦٢]، فقد أدرج فيه ذكر إقبال كل محبوب عليهم، وزوال كل مكروه عنهم.
ولا شيء أضر بالإنسان من الحزن والخوف، لأن «الحزن» يتولّد من مكروه ماض أو حاضر، و«الخوف» يتولد من مكروه مستقبل، فإذا اجتمعا على امرئ لم ينتفع بعيشه، بل يتبرم بحياته.
والحزن والخوف، أقوى أسباب مرض النفس، كما أن السرور والأمن أقوى أسباب صحتها! فالحزن والخوف موضوعان بإزاء كل محنة وبليّة!
1 / 15