وأما رابعا : فهو أن عبارته هذه توهم أن الحنفية مقتصرون على إثبات المعاصرة وليس كذلك ، فإن أكثرهم بل كلهم ذهبوا إلى رؤيته للصحابة ، وإنما اختلفوا في روايته عن الصحابة ، فجمع منهم نفوها كجمع من المحدثين ، وجمع منهم أثبتوها وقالوا : هو المذهب المتين .
ولقد اقشعر جلدي وتوحش فؤادي حين رأيت عبارة " الأبجد" ، وحكم كل من فهمها أنها تجاوزت عن الحد ، وهو الذي أزعجني إلى جمع نبذ من مسامحاته في تصانيفه لئلا يغتر الجاهلون بأمثال هذه الكلمات في تأليفاته ، والله أسأل أن يجنبني ويجنبه من أمثال هذه المغالطات ، ويوفقنا لاكتساب بالباقيات الصالحات .
ومن عاداته التي يجب على المصنفين الاحتراز عنها أن كلامه في موضع يعارض كلامه في موضع آخر ، وهذا وإن كان أمرا طبعيا للبشر ، والسلامة من جميع أنواع التعارض مختصة بخالق القوي والقدر ، لأن من له اهتمام بنشر العلم والتأليف يجب عليه الاهتمام بقدر وسعه الشريف ، كيف لا وهو مسئول يوم القيامة عن كل ما كتبه ومناقش في كل ما سطره .
والتخالف من عالم بين كلاميه في تأليفين ليس بمستبعد غاية البعد ، إنما المستبعد تخالفهما في تأليف واحد وفي صفحتين متقاربتين أو في صفحة واحدة ، ومثل هذا وجمع الرطب واليابس يجعل المعتبر غير معتبر ، والمعتمد غير معتمد .
صفحه ۱۶