ابراهیم ثانی
إبراهيم الثاني
ژانرها
وفى هذه اللحظة أقبلت سيارة تخطف فنهضت وجعلت تشير إليها ولكنها مرت ولم تتلبث. وكان صادق قد التفت أيضا إلى السيارة وأشفق أن تقف، فلما مضت تبسم وقال: «لا فائدة يا قريبتى العزيزة.. وطنى نفسك على التسليم لقضاء الله».
وارتمت ميمى على السلم مرة أخرى وقد بدأ اليأس يخامرها. وماذا يكون مصيرها إذا ظلت كل سيارة تقبل وتمر خطفا ولا تقف؟ وسيجئ الليل كما أنذرها فتخفى فى ظلامه الإشارة. وقد لا يسمع صوتها أحد ممن فى السيارات إذا صاحت مستنجدة، ومن يدرى فقد يخطر لهذا المجنون أن يكمم فمها ويقيدها.
وقال صادق: «اسمحى لى.. أعنى أنى أرجو أن تنهضى عن السلم فإنى أريد أن أجر السيارة عن الطريق مسافة متر أو مترين لتكون ونكون فيها فى مأمن من الحوادث. ألا توافقين؟»
فنهضت وهى تقول: «وماذا يهم؟» وتمنت أن يصدمها صادم فيكون هذا مخرجا لها.
وأقبل صادق على السيارة يدفعها ويحولها عن الطريق إلى الأرض الرملية، على حين وقفت تتلفت يائسة فما كانت ترى شيئا. وانحدرت الدموع بكرهها فكفكفتها. وكان صادق مشغولا بالسيارة وتحويلها - يدير العجلات ثم يروح يدفعها من الأمام وهكذا - حين أقبلت سيارة صغيرة لم ترها ميمى إلا وهى على مسافة قصيرة، فاندفعت إلى وسط الطريق ورفعت كلتا يديها وراحت تشير إشارة الوقوف، وتنظر عن عرض إلى صادق وكان ظهره إليها فهو لا يرى. وخطر لها أن السيارة الآتية قد تدوسها إذا ظلت واقفة فى طريقها هكذا، ولكنها كانت لا تبالى أوتعبأ شيئا بما عسى أن يصيبها، بل لقد تمنت أن تداس، فإن هذا منج على كل حال. غير أن السيارة لم تدسها بل وقفت على مترين منها، ونزل منها إنجليزى رفع القبعة وسألها هل يستطيع أن يساعدها.
وإذا بها تسقط على الأرض مغشيا عليها. وأدركها الرجل وحملها على يديه، ونظر إلى صادق وسيارته ورأى ما يصنع، فمضى بميمى إلى سيارته هو ووضع رجله على السلم وأراح جسم ميمى على فخذه، وفتح الباب وترفق بها وهو يضعها على المقعد الخلفى، ثم شرع يحاول إنعاشها وردها إلى الدنيا.
وتنبه صادق إلى ما هو حاصل، فترك السيارة وأقبل على الرجل فقال له هذا: «والآن يا صاحبى يحسن بك أن تركب معنا أيضا. دع السيارة إلى الصباح، وفى الإسكندرية تستطيع أن تجد من تبعث به ليصلحها».
فهم صادق بكلام، ولكنه كان لا يحسن الإنجليزية، وكان إلى هذا يحس أنه لا فائدة من المكابرة، فقد خرج الأمر من يديه، وأراد شيئا وأراد الله خلافه. فعاد إلى السيارة وحمل ما فيها ونقله إلى سيارة هذا الإنجليزى المتطفل الذى جاء فى وقت الحاجة إلى غيابه.
وفتحت ميمى عينها فتشهدت واعتدلت على المقعد، ومالت قليلا إلى الأمام ولمست كتف الرجل وقالت له لما أدار إليها وجهه قليلا: «أشكرك»، فابتسم الرجل وهز رأسه ولم يزد.
ثم كأنما تذكرت شيئا فاعتدلت مرة أخرى والتفتت إلى صادق وقالت له: «هات هذا المسدس».
صفحه نامشخص