ابراهیم کاتب
إبراهيم الكاتب
ژانرها
تأليف
إبراهيم عبد القادر المازنى
الفصل الأول
«وكان مساء ...»
1
شوشو فتاة يقول لك جسمها إنها ناهزت التاسعة عشرة، ويشهد حديثها وحركاتها أنها لم تجاوز السابعة عشرة. وهي ذات قامة معتدلة وجسم غض ووجه صبيح متألق، ترتاح العين إلى النظر إلى معارفة جملة ، وتشغل بوقعها مجتمعة عن التعلق بواحد منها على الخصوص. وقد قضت هذا الشطر الأول من عمرها في عزلة قلما أتيح لها فيها أن تخالط الرجال؛ إلا أن يكونوا من ذوي قرابتها الأدنين، فلم تألف أذنها عبارات الإعجاب بحسنها، وبقيت نفسها مرسلة على سجيتها، وخلا كل ما فيها ولها من ذلك التعمل الذي يدرب الفتاة عليه تنبه الشعور بنفسها وتوقعها من الجليس أن تأخذها عينه من فرعها إلى قدمها وأن تجس محاسنها وتنقدها. وقد انفردت عيناها بمزية: هي أن من يراهما لا يحتاج أن يعدوهما، أن ينقل لحظه إلى سواهما، ففيهما يجتلي نفسها وروحها وطبيعتها وجمالها، مركزا. وهما سوداوان غير أنه سواد فيه من العمق أكثر مما فيه من الالتماع. تحدق «فيه» تحديقك «في» بئر، ولا ترنو «إليه» كما ترنو «إلى» رسم.
ومن الفتيات من لا يفطن المرء إليها على فرط حسنها، لأول وهلة، ولكن صاحبتنا هذه كانت من قوة الجذب بحيث لا يسعك إلا أن تحس وجودها وتشعر بما تفيضه حولها، ولا تكاد تجلس إليها خمس دقائق حتى تلم بما فطرت عليه من جرأة الجنان الذي لا يدري أن في الدنيا ما يتقى، ومن حرارة النفس الغريرة التي لم يصدمها من التجاريب ما يطفئها، ومن خفة الروح التي لا يثقلها إلحاح اللحم. ويعرف من يعرفها أن لها أحيانا تبدو فيها كالظمأى إلى مجهول، أو كالتي تعتلج في صدرها خواطر وإحساسات هى أغمض من أن تتولى الكشف عنها عبارة؛ أو أوجع من أن ترفه عنها دمعة. ولم تكن كذلك الآن في هذه الفترة التي زخرت فيها تيارات حياتها والتي نخصها بالذكر.
2
كانت الشمس قد غابت وراء الأفق ولفت الحقول في شملة من الظلام لا رقيقة ولا شفافة، وكان اثنان يدلفان في الطريق بين المزارع على حمارين، أحدهما مسرج ملجم، يعاني الفتى الحضري الذى يمتطيه أشد البرح من تخطره ونزاعه إلى الانطلاق في العدو، وهو لا يكاد يمسك نفسه فوقه من فرط التقلقل. وثانيهما - أي ثاني الحمارين - يخطو وادعا، ورأسه مدلى وأذناه مسترخيتان وليس على ظهره سوى لبدة عتيقة استقر عليها الراكب ولصق بها حتى لا تكاد رجلاه تتحركان، كأنما هما خشبتان مشدودتان إلى جانبي الحمار، وكان الفتى في شاغل من متاعبه فقطعا أكثر الطريق في صمت إلى أن التفت الفتى إلى رفيقه وقال: لم أعرف اسمك إلى الآن فهل تسمح لي به؟ - اسمي؟ آه! أحمد الميت. - الميت؟ ولماذا يدعونك الميت؟
فقال القروي وهو مطرق كما كان، وعيناه إلى أذني حماره: لأني مت.
صفحه نامشخص