ابراهیم کاتب
إبراهيم الكاتب
ژانرها
فوقع من نفسه عطفها وحنوها، وهم أن يبثها شكواه ويقول لها بشجوه ولكنه ضعف لم يساوره إلا ريثما التفت إليها، ثم ملك نفسه وكبحها. وقال - وعلى فمه ابتسامة سرور وشكر لم تخل من ذلك السخر: يا فتاتي الصغيرة أتقدرين أن ....
فحزت هذه الابتسامة في نفس شوشو ووثبت إلى قدميها وهي تقول: بودي ألا تتكلم كأنك شيخ هرم وأنا طفلة أحبو؟ - لا تغضبي! (ومد يده فتناول ذراعها) عودى إلى مكانك بجانبي. دعي بداوتي هذه. لا تلتفتي إليها. إنها مرارة النفس يقطر بها اللسان وينضح بها الوجه وتفيض بها العين، وبكرهي أن تري مني ذلك أنت أو سواك من خلق الله - آه يا شوشو لو تعلمين! إذا لعذرتني. - وماذا يمنعك أن تخبرني فتطرح عن صدرك هذا الحجر؟ - يمنعني كبرياء نفسي وعلمي أن الشكوى عبث وباطل ومحال ليس يجدي. - أدام الله عليك الكبرياء التي أفاضها عليك!
ونظرت إلى ساعتها على معصمها وقالت: الساعة الآن الحادية عشرة فقم إلى سريرك والتحف بها!
فضحك وقال: وأنت؟ هل أثقل رأسك النعاس؟ - أويعنيك أن تعرف؟ - بلاشك. - إذا اعلم أني لست ذاهبة لأنام. - وماذا تنوين أن تصنعي؟ - سأجلس قليلا وأفكر. - في أي شيء؟ - ليس لي مثل كبريائك فلا أكتمك أن سأفكر في غرابة أطوارك . - آه! أو لاتزالين غضبى؟ - كلا. ليس ما بي غضب. لقد كنت أود.. على أن هذا لا يهم الآن.
فخطر له أن هذه الفتاة على صغر سنها متعلمة وأنها قد تستطيع أن تفهم وأن تعذر فقال: اسمعي يا شوشو. إن الواحدة تكون طفلة وتدعي لنفسها مع ذلك قدرة الأنبياء ومنزلة الرسل ....
قالت مقاطعة: «لا أفهم».
قال: «لست وحدك التي لا تفهم. إن كل امرأة مثلك لا تستطيع أن تخرج من خصوصها إلى العموم. إن قلب الواحد منكن يدق عطفا ومرثية للألم الفردي، ولكنه يعجز عن أن يجعل عطفه أو إحساسه على العموم عميقا شاملا لالام الحياة..».
فابتسمت وهزت رأسها وقالت بلهجة مبطنة بالسخر: صدقني إني أعطف عليك.
فقال ولم يلتفت إلى سخرها: إن الجنس الإنساني معناه - فيما تعلم المرأة - هذا الطفل المعين أو هذا الرجل المعين الذي لعلها أبصرته واقفا إلى جانب الباب ينتظر في البرد أو تحت الشمس مثلا. إن المرأة عاجزة عن الإحساس بالآلام العامة، عمياء لا تستطيع أن تراها. هذه هي الدنيا نصف عمياء نصف مستوحشة تصرخ شرقا وغربا وقد أجنها الألم والخطيئة أيضا. فهل ثم امرأة واحدة يشحب وجهها إذ ترى هذا النمر العالمي يهز قفصه؟ هل تكف واحدة منكن عن نظم العقود وتطريز الثياب من فرط إحساسها «بجملة» هذا الألم العالمي؟ أريني دمعة واحدة أراقتها امرأة - كما أراقت كورديليا عبراتها - لأن الدنيا جنت؟ ليس من بينكن من ترى أن تبكى من أجل هذا؛ على كثرة دموعكن وسهولة إسبالها! إنكن لا تبكين إلا لما تعرفن وأنتن معذورات: طفل مريض تلمسه المرأة بأصابعها فتحس ما به من الحمى فتنهمر الدموع! ولكن مليونا يمرضون! هذا شيء آخر! والأولى أن ينتفر المرء منكن أن تبكين من أجل الكسور العشرية أو المركبة إنكن لا تفهمن الدنيا باعتبارها وحدة وكلا، ومن أجل هذا لا تتأثر بكن هذه الدنيا لأن الواحدة منكن لا تقدر أن تتسرب في المجموع وتفنى في الجماعة. نجد فيكن الأم الرؤوم، والزوجة الوفية الكاملة، وقد نرى فيكن الولية والقديسة ، ولكنا لن نفوز منكن بنبي أو رسول - لا حتى ولا بشاعرة.
وأمسك بعد هذه الخطبة الطويلة، وعجب لنفسه الذي ساعفه على كل هذا الكلام، واضطجع وأطبق شفتيه.
صفحه نامشخص