ابراهیم ابو الانبیا
إبراهيم أبو الأنبياء
ژانرها
وليس بعد القرآن والأحاديث النبوية من مصدر يصح أن يسمى إسلاميا غير أقوال المفسرين.
وإنما تسمى أقوال المفسرين مصدرا إسلاميا حين تكون مقصورة على تفسير معاني القرآن وألفاظه، أو الاستشهاد بالأحاديث النبوية، فأما ما عدا ذلك فلا ينسب إلى الإسلام، وإنما المرجع فيه إلى الأخبار المروية عن النسابين وأصحاب الأخبار عامة، ومنهم اليهود الذين أسلموا، والنسابون الذين توارثوا تواريخ أسلافهم بالسماع.
فمن اليهود الذين أسلموا كعب بن ماتع الحميري الذي اشتهر باسم كعب الأحبار، كان من علماء اليهود في اليمن وأسلم في زمن أبي بكر، وعاش في المدينة زمنا ثم خرج إلى الشام بعد مقتل عمر، فأقام بحمص ومات فيها، ومنهم وهب بن منبه، وهو من يهود اليمن أيضا، وكان من أبناء الفرس الذين أرسلهم كسرى إلى اليمن، ثم أسلم وتوفي في عهد الدولة الأموية، وكلاهما كثير الرواية والنقل عن الكتب الإسرائيلية، ويظن بهما أنهما وضعا كثيرا مما روياه.
والمعلوم أن المسلمين في صدر الإسلام لم يتحرجوا من النقل عن أهل الكتاب إلا فيما يناقض القرآن الكريم؛ لأن المسلم يؤمن بالكتب التي تنزلت قبل القرآن، ويؤمن بأن العقائد التي تخالف عقيدته منها تحريف من الكهان والأحبار، وأنهم يجهلون بعض ما عندهم من الآيات، ويخفون بعضها أو يتمحلون
19
له التأويل.
فإذا دخل عالم من علماء اليهود في الإسلام، ونفى من روايات دينه ما يخالف القرآن ثم يتحرج المسلم أن يستمع إليه فيما ينقله عن كتبه، وأمن له، واعتبره من العلم الذي سبقه إليه أهل الكتاب، وكذلك فعل كثير من المفسرين، وبالغوا في الطمأنينة إلى أولئك الرواة، وفاتهم أنهم إن سلموا من سوء النية لم يسلموا من الجهل، وضعف السند ، وقلة التثبت والتمحيص.
وكان الفاروق عمر والإمام علي رضي الله عنهما ينهيان كعب الأحبار عن الإفاضة في رواياته وأساطيره، وسخر الفاروق منه حين زعم له أن مقتله مكتوب في التوراة، ولم يثبت أحد من جلة الصحابة شيئا من تلك الأساطير، ولكن كعب الأحبار وأمثاله قد طاب لهم أن يتحدثوا بتلك الأساطير التي ينفردون بدعواها، فأفرطوا فيها وجعلوا يطرقون السامعين بجديد كلما نفد قديمهم المعروض، وآنسوا من السامعين إقبالا على هذه البضاعة التي لا يزحمهم فيها أحد من المسلمين.
إلا أن المصادر الإسرائيلية لا تستوعب كل ما وعاه العرب قبل الإسلام من تواريخ عقائدهم، ولا سيما العقائد التي تلصق بالكعبة ونشأتها، وإقامة الشعائر فيها، وأسباب تلك الشعائر منذ أقدم عصورها. ومن الخطأ أن يقال: إن الروايات عن بناء الكعبة تلفيق من اليهود لإرضاء العرب والتقرب إليهم، بتوحيد النسب بينهم والارتفاع بنسبهم جميعا إلى جدهم إبراهيم؛ فإن نسبة العرب إلى إسماعيل بن إبراهيم مكتوبة في سفر التكوين، ومن العرب الذين كانوا يجهلون التوراة من كانوا ينسبون أنفسهم إلى «نبات» بن إسماعيل، كما جاء في تاريخ ديودورس الصقلي المتوفى بعد منتصف القرن الأول للميلاد.
وقد كانت الروايات ترتفع ببناء الكعبة إلى آدم وإلى الملائكة، ولا تقف بها عند إبراهيم، وجاء فيما رواه التقي الفاسي، صاحب كتاب شفاء الغرام، أن الكعبة بنيت عشر مرات: بناء الملائكة، وبناء آدم، وبناء أولاده، وبناء إبراهيم، وبناء العمالقة، وبناء جرهم، وبناء قصي بن كلاب، وبناء قريش، وبناء عبد الله بن الزبير، وبناء الحجاج، ثم قال: إن بناءها قبل إبراهيم لم يأت به خبر ثابت، وقال المسعودي: إن بناء الملائكة وآدم وشيث لم يصح.
صفحه نامشخص