Ibn Uthaymeen's Commentary on Al-Kafi by Ibn Qudamah
تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة
ژانرها
المقدمة
القاريء: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين قال الشيخ العالم العلامة الأوحد الصدر الكامل شيخ الإسلام قدوة الأنام موفق الدين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ﵀:-
الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار عالم خفيات الأسرار غافر الخطيئات والأوزار الذي امتنع عن تمثيل الأفكار وارتفع عن الوصف بالحد والمقدار.
الشيخ: الأولى أن لا يقال الذي امتنع والعبارة الصحيحة أن يقال الذي تنزه عن التمثيل أما امتنع عن التمثيل فمعناه إنه عولج وطلب منه أن يُمثّل ولكنه امتنع.
القاريء: وأحاط علمه بما في لجج البحار وله ما سكن في الليل والنهار أنعم علينا بالنعم الغزار.
الشيخ: ارتفع عن الوصف بالحد والمقدار يعني إن الله لا يحد بحد يحصره أو يقدره بل هو أكبر من كل شيء ﷿ وقد اختلف العلماء هل يضاف الحد إلى الله أو لا يضاف؟ والصحيح أنه من جنس الجسم فهو من الألفاظ المبتدعة الحديثة فالأولى أن لا نتكلم بهذا إطلاقا لكن إذا بلينا فإننا نستفصل ونقول ماذا تريد بالحد إن أردت الله ﷾ محدود بشيء فهذا لا يجوز وحرام لأنه يقتضي أن يكون شيء من مخلوقاته محيطا به وإن أردت أنه بحد يعني أنه بائن من الخلق ليس مختلطا فيهم فهذا صحيح.
1 / 1
القاريء: ومن علينا بالنبي المختار محمد سيد الأبرار المبعوث من أطهر بيت في مضر بن نزار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته المصطفين الأخيار صلاة تجوز حد الإكثار دائمة بدوام الليل والنهار هذا كتاب استخرت الله تعالى في تأليفه على مذهب إمام الأئمة ورباني الأمة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ﵁ في الفقه توسطت فيه بين الإطالة والاختصار وأومأت إلى أدلة مسائله مع الاقتصار وعزوت أحاديثه إلى كتب أئمة الأمصار ليكون الكتاب كافيا في فنه عما سواه مقنعا لقارئه بما حواه وافيا بالغرض من غير تطويل جامعًا بين بيان الحكم والدليل وبالله أستعين وعليه أعتمد وإياه أسأل أن يعصمنا من الزلل ويوفقنا لصالح القول والنية والعمل ويجعل سعينا مقربا إليه ونافعا لديه وينفعنا والمسلمين بما جمعنا ويبارك لنا فيما صنعنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(كتاب الطهارة)
باب حكم الماء الطاهر
القاريء: يجوز التطهر من الحدث والنجاسة بكل ماء نزل من السماء من المطر وذوب الثلج والبرد لقول الله تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (لأنفال: من الآية١١) وقول النبي ﷺ: «اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد» متفق عليه
الشيخ: قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) (الفرقان: من الآية٤٨) والطهور هو الطاهر بذاته المطهر لغيره وإن شئت فقل الطهور ما يتطهر به.
القاريء: وبكل ماء نبع من الأرض من العيون والبحار والآبار لما روى أبو هريرة ﵁ قال سأل رجل رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله ﷺ «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وكان النبي ﷺ يتوضأ من بئر بضاعة رواه النسائي
1 / 2
الشيخ: إذًا نأخذ من هذا الفصل قاعدة (كل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض فهو طهور مطهر من الأحداث والأنجاس)
فصل
القاريء: فإن سخن بالشمس أو بطاهر لم تكره الطهارة به لأنها صفة خلق عليها الماء فأشبه ما لو برده وإن سخن بنجاسة يحتمل وصولها إليه
الشيخ: قوله لأنها صفة خلق عليها الماء هذا فيه نظر لأن الماء لم يخلق عليها لو خلق عليها ما احتاج إلى تسخين فيقال إنه لم يخلق عليها لأنه سخن أما قوله وبطاهر فمثل الحطب وروث الإبل أما روث الحمير فنجس.
القاريء: وإن سخن بنجاسة يحتمل وصولها إليه ولم يتحقق فهو طاهر لأن الأصل طهارته فلا تزول بالشك ويكره استعماله لاحتمال النجاسة وذكر أبو الخطاب رواية أخرى أنه لا يكره لأن الأصل عدم الكراهة.
الشيخ: نعم الراجح أنه لا يكره التطهر به يعني لا يكره استعماله كما قال أبو الخطاب لأن الأصل عدم الكراهة والكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل.
القاريء: وإن كانت النجاسة لا تصل إليه غالبا ففيه وجهان أحدهما يكره لأنه يحتمل النجاسة فكره كالتي قبلها والثاني لا يكره لأن احتمال النجاسة بعيد فأشبه غير المسخن
الشيخ: إذًا المسخن بالشمس أو بطاهر لا كراهة فيه والمسخن بنجس إن كان يحتمل وصولها إليه فهو مكروه وإن كان لا يحتمل ففيه وجهان مع أن المسألة الأولى أيضا فيها خلاف فأبو الخطاب ﵀ يرى أنه لا يكره والصحيح أنه لا يكره إذًا الفصل هذا فيه مسألتان المسألة الأولى إذا سخن بطاهر أو بالشمس فهذا طهور غير مكروه قولا واحدا وإذا سخن بنجس ففيه الخلاف سواء احتمل وصول النجاسة أم لم يحتمل والصحيح أنه لا يكره.
فصل
1 / 3
القاريء: وإن خالط الماء طاهر لم يغيره لم يمنع الطهارة به لأن النبي ﷺ «اغتسل هو وزوجته من قصعة واحدة فيها أثر العجين» رواه النسائي وابن ماجه والأثرم ولأن الماء باقٍ على إطلاقه فإن كان معه ماء يكفيه لطهارته فزاده مائعا لم يغيره ثم تطهر به صح لما ذكرنا وإن كان الماء لا يكفيه لطهارته فكذلك لأن المائع استهلك في الماء فهو كالتي قبلها وفيه وجه آخر لا تجوز الطهارة به لأنه أكملها بغير الماء فأشبه ما لو غسل به بعض أعضائه
الشيخ: إذا خالط الماء طاهر لم يغيره فلا شيء فيه يعني مثلا خالطه عجين أو خالطه تمر أو خالطه حلوى لكنها لم تغيره فهذا لا يضر لأن الماء باقِ على إطلاقه كما قال المؤلف وإن كان معه ماء يكفيه لطهارته فزاده مائعا ولكنه لم يغيره أيضا لا يضر كيف هذا يعني إنسان معه ماء قليل لا يكفي لطهارته ومعه شاهي الشاهي يسمى مائع فصب من الشاهي على الماء من أجل أن يزيده فيكمّل طهارته فهذا لا بأس به على القول الراجح وفيه وجه آخر إنها لا تجوز لكن الصحيح أنه يجوز أن يتطهر به لأن هذا المائع استهلك الماء فزال حكمه.
القاريء: وإن غير الطاهر صفة الماء لم يخل من أوجه أربعة أحدها ما يوافق الماء في الطهورية كالتراب وما أصله الماء كالملح المنعقد من الماء فلا يمنع الطهارة به لأنه يوافق الماء في صفتيه أشبه الثلج
الشيخ: يعني أنه أصله الماء ولم يتغير.
القاريء: والثاني ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود فلا يمنع لأنه متغير عن مجاورة فأشبه ما لو تغير الماء بجيفة بقربه
1 / 4
الشيخ: يعني لو صب في الماء دهن فالدهن ما يمكن يختلط بالماء فلو تغير الماء من هذا الدهن لم يضر لأنه تغير عن مجاورة لا عن اختلاط كذلك الكافور والكافور طيب يجعل للأموات فلو وضعنا في الماء كافور فالكافور ما يمكن يمتزج بالماء ولا يموع في الماء فإذا تغير الماء منه فإنه لا يضر لأن التغير هنا عن مجاورة لا عن ممازجة وقول المؤلف أشبه تغير الماء بجيفة بقربه هذه المسألة صورتها أن يكون هناك ماء ولنقل إنه غدير والغدير مجتمع السيول إلى جانبه جيفة فصارت الرياح تنقل رائحة الجيفة إلى هذا الماء فإذا أخذت الماء وشممته أدركت أنه متغير برائحة الجيفة فهذا لا ينجس وقد حكاه بعض العلماء إجماعا مع أنه متغير بالنجاسة وهذا لأن النجاسة هنا لم تختلط به بل هو عن مجاورة أشبه ما لو كان لك ثوب حوله رائحة خبيثة وهو رطب فحمل من هذه الرائحة الخبيثة النجسة فهل تصلي فيه أو لا؟ تصلي فيه لماذا لأن النجاسة لم تصبه فإن صح الإجماع على أن هذا الماء المجاور الذي تغير بالنجاسة المجاورة يبقى على طهوريته فلا عدول لنا عن إجماع المسلمين وإن لم يصح الإجماع فإن القياس يقتضي أن يكون نجسًا لأنه متغير بالنجاسة ولولا أن النجاسة أثرت فيه ودخلت فيه ما كان له رائحة وكأن المؤلف ﵀ يرى انعقاد الإجماع لأنه قاسه ومن شرط قياس حكم على حكم أن يكون الأصل المقيس عليه متفقا عليه ولو بين الخصمين على الأقل يعني ما يمكن تقيس فرع على أصل وأنا خصمك أنازع في الأصل لماذا؟ لأني أقول لك لا أسلم الأصل حتى أسلم الفرع ولهذا من شرط القياس أن يكون الأصل متفقا عليه إما بين المسلمين عموما أو على الأقل بين الخصمين فيقول الخصم لخصمه ألست تقول كذا وكذا في هذا الحكم قال نعم فيقول إذًا نقيس عليه هذه المسألة.
سائل: هل يعارض هذا الإجماع على أنه إذا تغير الماء برائحة فهو نجس؟
1 / 5
الشيخ: هم يقولون ما تغير طعمه أو لونه أو رائحته بنجاسة تحدث فيه كما هو لفظ الحديث الذي ذكره ابن حجر في بلوغ المرام (بنجاسة تحدث فيه) وقالوا هذه النجاسة ما حدثت فيه هذه النجاسة بقربه فالمهم إن كان الإجماع فلا عدول لنا عنه ولا يسوغ لنا أن نخرج عن إجماع المسلمين وإن كان ليس هناك إجماع فالقول قول من يقول إنه ينجس لأن هذا الماء خبيث.
سائل: إذا حكمنا بنجاسته هل يعدل عنه إلى التيمم؟
الشيخ: إذا حكمنا بنجاسته ولم يمكن تطهيره فإن أمكن تطهيره بأن يحمل ويبعد عن المكان هذا وتزول رائحته.
القاريء: والثاني ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود فلا يمنع لأنه تغير عن مجاورة فأشبه ما لو تغير الماء بجيفة بقربه. الثالث ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب وسائر ما ينبت في الماء وما يجري عليه الماء من الكبريت والقار وغيرهما وورق الشجر على السواقي والبرك وما تلقيه الريح والسيول في الماء من الحشيش والتبن ونحوهما فلا يمنع لأنه لا يمكن صون الماء عنه.
الرابع ما سوى هذه الأنواع كالزعفران والإشنان والملح المعدني وما لا ينجس بالموت كالخنافس والزنابير وما عفي عنه لمشقة التحرز إذا ألقي في الماء قصدا فهذا إن غلب على أجزاء الماء مثل أن جعله صبغا أو حبرا أو طبخ فيه سلبه الطهورية بغير خلاف لأنه زال اسم الماء فأشبه الخلق وإن غير إحدى صفاته طعمه أو لونه أو ريحه ولم يطبخ فيه فأكثر الروايات عن أحمد أنه لا يمنع لقول الله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (المائدة: من الآية٦) ولأنه خالطه طاهر لم يسلبه اسمه ولا رقته ولا جريانه أشبه سائر الأنواع وعنه لا يجوز الطهارة به لأنه سلب إطلاق اسم الماء أشبه ماء الباقلاء المغلي وهذا اختيار الخرقي وأكثر الأصحاب.
1 / 6
الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف أنه إذا خلط الماء بطاهر لم يغيره لم يمنعه الطهارة يعني بأن سقط فيه أوراق شجر أو قطع خرق أو خشب أو غيرها ثم لم يغيره لا غير طعمه ولا لونه ولا ريحه فهذا طهور لا يمنع الطهارة به.
الثاني ما لا يختلط به الماء يعني ما لا يمازج الماء مثل الكافور والدهن والزيت والقاز والبنزين وما أشبهه فهذا أيضا لا يؤثر حتى لو تغير الماء به وذلك لأنه لا يمتزج به فأشبه المتغير برائحة جيفة إلى جانبه.
الثالث ما لا يمكن التحرز منه مثل الطحلب والطحلب هو الذي يكون على ظهر الماء أخضر أو يكون أيضا في الأرض كالنبات أو كذلك بعض البرك يخرج فيها شيء يسمى السعد نوع من النبات أو التراب الذي تحمله الريح أو أوراق الشجر المهم كل شيء لا يمكن التحرز منه هذا أيضا لا يضر حتى لو تغير طعم الماء ولونه وريحه.
الرابع ما يتغير به الماء ولا يشق صون الماء عنه ويمتزج بالماء فهذا إذا غير الماء فيه روايتان عن أحمد:
الأولى أنه طاهر غير مطهر.
والثاني أنه طهور والصحيح أنه طهور وهذا ظاهر كلام الموفق ﵀ لأنه قدمه قال وإن غير إحدى صفاته لم يمنع الطهارة به وعنه لا تجوز الطهارة به إذا ذكر المؤلف في هذا روايتين وقدم عدم سلبه الطهورية وأنه يجوز الطهارة به وهذا هو الصحيح أما إذا طبخ فيه فإنه ينتقل اسمه عن اسم الماء إلى اسم
هذا المطبوخ فيه مثل المرق وشبهه أو الشاهي فهذا يسلبه الطهورية لأنه انتقل فالحاصل الآن أن الماء إذا خالطه طاهر فإنه ينقسم إلى أربعة أقسام:
1 / 7
الأول ما لا يتغير به والثاني ما لا يمتزج به والثالث ما يشق صون الماء عنه والرابع ما عدا ذلك الأقسام الثلاثة الأولى ما حكمها؟ لا يسلبها الطهورية ولا يمنع الطهارة به والرابع فيه روايتان عن الإمام أحمد إحداهما أنه لا يسلبه الطهورية وهو الذي قدمه الموفق في هذا الكتاب وهو الصحيح والرواية الثانية يسلبه الطهورية وهذا هو المذهب عند المتأخرين أنه إذا تغير:
١. بطاهر.
٢. ممازج.
٣. لا يشق صون الماء عنه.
فإنه يكون طاهرًا غير مطهر هذه القيود الثلاثة من أجل أن تخرج الأقسام الثلاثة الأولى.
فصل
القاريء: فإن استعمل في رفع الحدث فهو طاهر لأن النبي ﷺ «صب على جابر من وضوئه» رواه البخاري ولأنه لم يصبه نجاسة فكان طاهرا كالذي تبرد به وهل تزول طهوريته فيه روايتان أشهرهما زوالها لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه المتغير بالزعفران والثانية لا تزول لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه التبرد به وإن استعمل في طهارة مستحبة كالتجديد وغسل الجمعة والغسله الثانية والثالثة فهو باقٍ على إطلاقه لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا وعنه أنه غير مطهر لأنه مستعمل في طهارة شرعية أشبه المستعمل في رفع الحدث
1 / 8
الشيخ: انتقل المؤلف ﵀ من الماء المتغير إلى الماء المستعمل فإن استعمل في طهارة واجبة مثل الوضوء إنسان يتوضأ ويتناثر من أعضائه ماء هذا المتناثر يسمى مستعملا ذكر المؤلف أنه طاهر لأنه لم تصبه نجاسة لكن هل هو طهور يعني هل هو مطهر أو لا؟ ذكر في ذلك روايتان الأشهر من الروايتين أنه لا يطهر والثانية أنه طهور يطهر والصحيح أنه طهور يطهر وقد علل كونه طاهرا غير مطهر بما ذكر المؤلف زال عنه إطلاق اسم الماء وهذا غير مسلم هل ما تناثر من أعضاء الوضوء أو من البدن بعد غسل الجنابة هل زال عنه اسم الماء؟ أبدًا هو ماء لكن علله بعض العلماء بعلة أخرى قال لأن هذا استعمل في طهارة واجبة فلا يعاد مرة أخرى كالعبد إذا أعتق فإنه لا يعتق مرة ثانية وهذا القياس فيه نظر لأن العبد إذا أعتق صار حرًا ولا يمكن أن يسترق بعد ذلك نعم لو فرض أنه ذهب إلى الكفار ثم قاتلنا الكفار ثم سبيناه مرة ثانية فحينئذ يرجع رقيقا وهذا الماء أيضا لما استعمل في الطهارة الواجبة نقول لم يزل اسم الماء عنه بخلاف العبد فإنه عتق وصار حرًا فالقياس إذًا ليس بصحيح وعلى هذا فيكون القول الراجح في هذه المسألة أنه استعمل في طهارة واجبة فإنه طهور مطهر.
الثاني ما استعمل في طهارة مستحبة فقدم المؤلف أنه باق على طهارته أي أنه طهور مثال الطهارة المستحبة كتجديد الوضوء والطهارة لقراءة القرآن هذه مستحبة وغسل الجمعة على القول بأنه مستحب فيكون الماء طهورا مطهرا والرواية الثانية أنه غير مطهر لأنه مستعمل في طهارة شرعية فأشبه المستعمل في طهارة واجبة هذان نوعان من الاستعمال الأول ما استعمل في طهارة واجبة والثاني ما استعمل في طهارة مستحبة والثالث سيأتينا ما استعمل في غسل نجاسة في الفصل الذي سيأتي والراجح أنه طهور في المسائل السابقة كلها.
فصل
1 / 9
القاريء: وإن استعمل في غسل نجاسة فانفصل متغيرا بها أو قبل زوالها فهو نجس لأنه متغير بنجاسة أو ملاق لنجاسة لم يطهرها فكان نجسا كما لو وردت عليه وما انفصل من الغسلة التي طهرت المحل غير متغير فهو طاهر إن كان المحل أرضًا لأن النبي ﷺ «أمر أن يصب على بول الأعرابي ذنوبا من ماء» متفق عليه فلو كان المنفصل نجسا لكان تكثيرا للنجاسة وإن كان غير الأرض ففيه وجهان أظهرهما طهارته كالمنفصل عن الأرض ولأن البلل الباقي في المحل طاهر والمنفصل بعض المتصل فكان حكمه حكمه والثاني نجس لأنه ماء يسير لاقى نجاسة فتنجس بها كما لو وردت عليه فإن قلنا بطهارته فهل يكون مطهرا على وجهين بناءً على الروايتين في المستعمل في رفع الحدث وقد مضى توجيههما
الشيخ: هذا المستعمل في النجاسة فالمستعمل في إزالة النجاسة إما أن ينفصل والنجاسة موجودة فهذا نجس مثال ذلك رجل أراد أن يغسل ثوبا أصابه دم فجعل يغسله فأول غسلة ستكون متغيرة بالنجاسة أو ملاقية لها فيكون نجسا سواء تغير أم لم يتغير لأنه لاقى النجاسة وكذلك إذا انفصل قبل السابعة إذا قلنا بوجوب غسل النجاسات سبعا يكون أيضا نجسا لأنه انفصل عن محل نجس وإن كانت النجاسة قد زالت لأن المحل لا يطهر إلا بسبع غسلات فما انفصل قبل السابعة فهو نجس.
الثاني أن ينفصل في السابعة فهذا إن انفصل متغيرا فظاهر أنه نجس وإن انفصل غير متغير فهو طاهر لكن هل يكون مطهرًا؟ على قولين:
القول الأول أنه ليس بمطهر لأنه ماء حصل به التطهير إذ أن السابعة هي آخر الغسلات فصار كالمستعمل في رفع الحدث
والثاني أنه طهور مطهر وهذا القول هو الراجح.
1 / 10
فالخلاصة الآن إذا استعمل في إزالة نجاسة فما انفصل والنجاسة موجودة فهو نجس وما انفصل قبل السابعة فهو نجس أيضا أما الأول فهو نجس لأنه لاقى النجاسة وأما الثاني فهو نجس لأنه انفصل عن محل نجس لم يطهر وإن انفصل في السابعة بعد زوال النجاسة يعني النجاسة زالت مثلا في أول غسله أو في ثاني غسله أو خامس غسله ففيه ثلاثة أقوال أنه نجس والثاني أنه طاهر غير مطهر والثالث أنه طهور وهذا الأخير هو الصحيح هذا إذا كان غير أرضٍ أما إذا كان أرضا فهو طاهر قولا واحدًا لأن النبي ﵊ أمر بصب الماء على بول الأعرابي ولم يصب مرة ثانية هذا خلاصة هذا الفصل فصار الماء المستعمل إما أن يكون في رفع حدث أو في طهارة مشروعة مستحبة أو في إزالة نجاسة والصحيح في جميع هذه الاستعمالات أنه طهور ما لم يتغير فيما إذا استعمل في إزالة النجاسة فإن كان متغيرا فهو نجس
فصل
القاريء: وإذا انغمس المحدث في ماء يسير ينوي به رفع الحدث صار مستعملا لأنه استعمل في رفع الحدث ولم يرتفع حدثه لأن النبي ﷺ قال «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه» رواه مسلم والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ولأنه بأول جزء انفصل منه صار مستعملا فلم يرتفع الحدث عن سائرها.
الشيخ: هذا الاستعمال للماء في رفع الحدث لكن على صفة غير الأولى فالأولى يصب الماء عليه ثم ينفصل الثاني وهذا انغمس شخص محدث في ماء يسير ونوى رفع الحدث فيقول المؤلف يكون الماء مستعملا في رفع الحدث ولا يرتفع حدثه وهذا من الغرائب أن يقال إنه استعمل في رفع الحدث والحدث لم يرتفع فإذا كان لم يرتفع فأين الاستعمال في رفع الحدث يقول المؤلف لأن النبي ﷺ قال «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه» رواه مسلم ويغتسل فيها ثلاث روايات يغتسلْ بالسكون عطفا على النهي ويغتسلُ بالضم على الاستئناف ويغتسلَ بالفتح على أنها مثل واو المعية فعلى:
1 / 11
الوجه الأول ثم يغتسل فيه يكون النهي عن البول والاغتسال.
وعلى الثاني الرفع يكون النهي عن البول فقط وتكون جملة استئنافية.
وعلى النصب يكون النهي عن الجمع بينهما وعلى كل حال فالحديث ينازَعُ المؤلف ﵀ في كونه يدل على فساد هذا الاغتسال فالنبي ﵊ نهى عن الاغتسال بعد البول لأن هذا فيه تنافي كيف تغتسل بماء بلت فيه هذا منافي حتى للمروءة هو ماء قليل دون القلتين تبول فيه ثم تغتسل لا شك أن هذا ينافي المروءة إذ أن البول معروف أنه نجس وأنه ينجس ما لاقاه إما مطلقا أو إذا تغير فكيف تغتسل فيه لكن مع ذلك نقول الصواب في هذه المسألة التي ذكرها المؤلف أن الإنسان إذا نوى وانغمس في ماء يسير ونوى رفع الحدث فإن حدثه يرتفع والماء حتى إن قلنا إنه يكون مستعملا فقد سبق لنا قبل قليل أن الماء
المستعمل طهور على إننا قد نمنع أن نقول إن هذا الماء مستعمل لأن المستعمل منه ما باشر الأعضاء هذا المستعمل أما ما انفصل فهو بعيد عن الجسم فالماء الذي في البركة ما لم يمس الجلد فلا يقال إنه مستعمل في الطهارة وعلى كل حال الصحيح في هذه المسألة أنه طهور مطهر ثم نقول إن استدلال المؤلف بالحديث لهذه المسألة لا يطابق فهذا رجل استعمل الماء في طهارة حدث والحديث نهى عن البول ثم الاغتسال فهل الدليل الذي استدل به المؤلف مطابق للمسألة التي ذكرها؟ الجواب لا لأن الدليل في البول ومعلوم أن البول يتأثر به الماء إلى خبث إما في اللون وإما في الرائحة وإما في الطعم فاستدلال المؤلف لحكم المسألة التي ذكرها بهذا الحديث استدلال في غير محله.
فصل
1 / 12
القاريء: وما سوى الماء من المائعات كالخل والمري والنبيذ وماء الورد والمعتصر من الشجر لا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (المائدة: من الآية٦) فأوجب التيمم على من لم يجد ماءً وقال النبي ﷺ لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب «تحتيه ثم تقرصيه ثم تنضحيه بالماء ثم تصلي فيه» متفق عليه فدل على أنه لا يجوز بغيره والله أعلم.
الشيخ: أما قوله لا يرفع حدثا فالأمر مسلم أن غير الماء لا يرفع حدثا وأما قوله ولا يزيل نجسا ففيه نظر والصواب أن غير الماء إذا زالت به النجاسة فإنه مطهر والفرق بين الحدث والنجاسة أن الحدث عبادة مطلوب إيجادها والنجاسة قدر مطلوب إعدامه وإزالته وإعدامه وإزالته تحصل بأي مزيل ولهذا جاءت السنة بالاستجمار بدلا عن الاستنجاء والاستجمار إزالة للنجاسة بالحجارة وكذلك جاءت السنة بتطهير النعل بالحك وجاءت السنة بتطهير ذيل ثوب المرأة الذي ينسحب من ورائها بما يمر عليه من الطاهر بعد النجس ولهذا لو أن النجاسة زالت بنفسها فإن المحل يكون طاهرا ولو أمطرت السماء على ثوب نجس فطهر فإنه يكون طاهرا ففرق بين رفع الحدث وبين إزالة النجاسة فالصحيح أن النجاسة إذا زالت بأي مزيل كان فإن المحل يكون طاهرا أما رفع الحدث فلا يكون إلا بالماء والآية فيه صريحة كما قال المؤلف لأن الله قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (النساء: من الآية٤٣).
1 / 13
باب الماء النجس
القاريء: إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته نجس بغير خلاف لأن تغيره لظهور أجزاء النجاسة فيه وإن لم تغيره لم يخل من حالين أحدهما أن يكون قلتين فصاعدا فهو طاهر لما روى ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» رواه الأئمة وقال الترمذي هذا حديث حسن وفي لفظ «لم ينجسه شيء» وروى أبو سعيد ﵁ قال قيل يا رسول الله أيتوضأ أحدنا من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال «الماء طهور لا ينجسه شيء» قال أحمد حديث بئر بضاعة صحيح قال أبو داود قدرت بئر بضاعة بردائي فوجدتها ستة أذرع أو سبعة ولأن الماء الكثير لا يمكن حفظه في الأوعية فعفي عنه كالذي لا يمكن مسحه.
الثاني ما دون القلتين ففيه روايتان.
أظهرهما نجاسته لأن قوله (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء) يدل على أن ما لم يبلغهما نجس ولأن النبي ﷺ قال «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» متفق عليه فدل على نجاسته من غير تغيير ولأن الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية فلم يعف عنه وجعلت القلتان حدا بين القليل والكثير.
والثانية هو طاهر لقول النبي ﷺ «الماء طهور لا ينجسه شيء» وروى أبو أمامة أن النبي ﷺ قال «الماء طهور لا ينجسه إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه» رواه ابن ماجه ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير.
الشيخ: المؤلف رحمه الله تعالى لما أنهى الكلام على الماء المستعمل وذكرنا أنه مستعمل في ثلاثة أشياء طهارة واجبة من حدث وطهارة مستحبة والثالث إزالة نجاسة فالطهارة الواجبة من الحدث قلنا الراجح فيها أنه يكون طهورا وكذلك المستعمل في طهارة مستحبة وأما المستعمل في إزالة النجاسة فقلنا إن له ثلاث حالات:
الأولى أن ينفصل قبل زوال النجاسة أو قبل السابعة فهو نجس بكل حال.
1 / 14
الثانية أن ينفصل في السابعة فهو طاهر وقيل إنه طهور وقيل إنه نجس إذا كان غير الأرض.
الثالثة أن ينفصل بعد السابعة فهو طهور بالاتفاق إلا إذا كانت النجاسة لم تزل مثل أن تكون النجاسة يابسة ولم تزل في سبع غسلات فإنه يكون كالمنفصل قبل زوال النجاسة وقد ذكرنا أنه نجس ثم ذكر المؤلف ﵀ أن ما سوى الماء لا يرفع
الحدث ولا يزيل النجاسة وقلنا إن كونه لا يرفع الحدث مسلم وأما كونه لا يزيل النجس ففيه نظر والصواب أن النجاسة إذا زالت بأي مزيل فإن المكان يكون طاهرًا.
ذكر في باب الماء النجس الماء إذا وقعت فيه نجاسة فهذا لا يخلو من ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن يتغير بالنجاسة طعمه أو ريحه أو لونه فهنا يكون نجسا بلا خلاف الثاني: أن يكون أقل من القلتين فهذا يكون نجسا أيضا فإذا كان أقل من القلتين يكون نجسا سواء تغير بالنجاسة أم لم يتغير إذًا هذا مقابل الأول.
فالأول ما تغير بنجاسة فهو نجس قليلا كان أو كثيرا.
الثاني: إذا لاقته النجاسة وهو دون القلتين فهو نجس هذا هو المشهور من المذهب وهو الذي قال المؤلف إنه الأظهر والصحيح أنه ليس بنجس وهو الرواية الثانية وحجة القائلين بأنه نجس قول النبي ﵊ «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء» مفهومه إذا لم يبلغ فإنه ينجس وهذا الحديث مضطرب سندا ومتنا وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ستة عشر وجها تدل على أنه لا يصح أن يحتج به وهذا الحديث لو أخذنا بظاهره إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء لكان ظاهره أنه إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء سواء غيره أم لم يغيره وهذا لا يقول به أحد لأنه إذا تغير بنجاسة فهو نجس بلا خلاف.
1 / 15
الثاني أن نقول إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء مفهومه دون القلتين ينجس لكنه مطلق وحديث (إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه) مقيد فيكون مقيدا به ولهذا كان القول الصحيح في هذه المسألة أنه لا ينجس إلا بالتغير ولو كان دون القلتين.
الثالث ما كان فوق القلتين فهذا لا ينجس ولو لاقته نجاسة إلا بالتغير والخلاصة إذا وقع في الماء نجاسة فلا يخلو من ثلاث حالات الأولى أن يتغير فهذا نجس الثاني أن يكون فوق القلتين فهذا ليس بنجس ما لم يتغير الثالث إذا كان دون القلتين ففيه روايتان عن أحمد المشهور من المذهب أنه نجس والصحيح أنه ليس بنجس لكن هل يحتاج أن نقول ما لم يتغير؟
لا يحتاج لأنا قلنا بالأول إن المتغير نجس بكل حال وكلامنا الآن فيما إذا لم يتغير واستدل المؤلف بقول النبي ﵊ «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» متفق عليه وهذا ليس فيه دليل لأن نجاسة الكلب ليست كغيره وهنا قد يكون الأمر بالغسل ليس من أجل أنه نجس ولكن من أجل ما يخشى من الضرر ولهذا قال (إحداها بالتراب) ولا يوجد نظير لهذه النجاسة من النجاسات وعلى كل حال الاستدلال بهذا الحديث فيه منازعة بمعنى أنه غير مسلم.
فصل
1 / 16
القاريء: وفي قدر القلتين روايتان إحداهما أنهما أربعمائة رطل بالعراقي لأنه روي عن ابن جريج ويحي بن عقيل أن القلة تأخذ قربتين وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائتا رطل فصار القلتان بهذه المقدمات أربعمائة رطل، والثانية هما خمسمائة رطل لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفا فيكونان خمس قرب وهل ذلك تحديد أو تقريب فيه وجهان أظهرهما أنه تقريب فلو نقص رطل أو رطلان لم يؤثر لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريبا والشيء إنما جعل نصفا احتياطا والغالب أنه يستعمل فيما دون النصف وهذا لا تحديد فيه والثاني أنه تحديد فلو نقص شيئا يسيرا تنجس بالنجاسة لأنا جعلنا ذلك احتياطا وما وجب الاحتياط به صار فرضا كغسل جزء من الرأس مع الوجه
الشيخ: على كل حال هذه المسألة تحديد أو تقريب وهل هي أربعمائة رطل أو خمسمائة رطل كله مبني على صحة حديث القلتين فإذا لم يصحح وقلنا إن مدار نجاسة الماء على تغيره بالنجاسة فإننا نستريح من هذا الخلاف.
فصل
القاريء: وجميع النجاسات في هذا الباب سواء إلا بول الآدميين وعذرتهم المائعة فإن أكثر الروايات عن أحمد أنها تنجس الماء الكثير لقول النبي ﷺ «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه» متفق عليه إلا أن يبلغ حدا لا يمكن نزحه كالغدران والمصانع التي بطريق مكة فذلك الذي لا ينجسه شيء لأن نهي النبي ﷺ عن البول في الماء الدائم ينصرف إلى ما كان بأرضه على عهده من آبار المدينة ونحوها وعنه أنه كسائر النجاسات لعموم الأحاديث التي ذكرناها ولأن البول كغيره من النجاسات في سائر الأحكام فكذلك في تنجيس الماء وحديث البول لابد من تخصيصه فنخصه بخبر القلتين.
1 / 17
الشيخ: نحن ذكرنا في الماء إذا وقعت فيه النجاسة ثلاث حالات فهل جميع النجاسات سواء؟ يقول المؤلف إن فيه خلاف فمن العلماء من أصحاب الإمام أحمد من قال إن بول الآدمي وعذرته المائعة تختلف عن بقية النجاسات وأنها إذا وقعت في الماء نجسته إلا إذا كان الماء يشق نزحه كمصانع طريق مكة ومصانع طريق مكة يقال إن التي بنتها زبيدة امرأة هارون الرشيد وهي عبارة عن أحواض كبيرة لا يزال آثارها موجودة الآن تأتي فيها السيول وتتجمع فيها ويكون فيها مياه كثيرة إذا مر الحجاج من العراق إلى مكة يمرون بها وكذلك أيضا الغدران التي تتجمع في السيول فهذه إذا أصابها بول الآدمي أو عذرته المائعة فإنها لا تنجس إلا بالتغير وعلى هذا القول فإننا نقدر بدل القلتين بما يشق نزحه فمثلًا عندنا ماءٌ قلتان أصابته نجاسة ولنقل إنها دم ولم تغيره فماذا يكون؟ طهورًا ولو أصابه بول كلب ولم يغيره فهو طهور ولو أصابه بول إنسان ففيه روايتان رواية تقول إنه نجس والكلام الآن فيما لم يتغير ورواية أخرى تقول إنه طهور فالرواية التي تقول إنه نجس تقول إن بول الآدمي وعذرته المائعة يقيدان بدلا من القلتين بما يشق نزحه ومعلوم أن القلتين فقط لا يشق نزحهما لكن الغدران الكبيرة يشق نزحها فلو قلنا لإنسان فرغ لنا هذا الغدير فإنه سيتعب تعبا شديدا إذًا ما يشق نزحه هو المقدار في بول الآدمي وعذرته والدليل قوله ﵊ «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» فنقول هذا الدليل لا دليل فيه إطلاقا هل قال الرسول ﵊ إن الماء ينجس؟ لا لم يقل بل نهى عن الاغتسال فيه وهذا يدل على أن لنا الانتفاع به في جميع وجوه الانتفاعات إلا الاغتسال وعليه فلا دليل في الحديث إلى ما ذهب إليه هؤلاء وأيضا لو قلنا بهذا القول لكانت نجاسة الآدمي أغلظ من نجاسة الكلب وهذا خلاف الواقع.
والخلاصة الآن أن الماء إذا وقعت فيه نجاسة فله ثلاث حالات:
1 / 18
الحال الأولى أن تغيره فما حكمه؟ نجس
الحال الثانية أن يكون دون القلتين ولم تغيره ففيه روايتان والصحيح أنه طهور.
الحال الثالثة أن يكون فوق القلتين ولم يتغير فهو طهور قولا واحدا إلا إذا كانت النجاسة بول آدمي أو عذرته المائعة فإننا نقدر بدل القلتين بما يشق نزحه وأما إذا كان لا يشق نزحه ولو كان أربع قلال فأصابته نجاسة آدمي فإنه ينجس والصحيح أن نجاسة الآدمي كغيرها من النجاسات لا ينجس الماء بها إلا بالتغير على القول الراجح ولا فرق بين نجاسة الآدمي وغيره.
السائل: هل يشترط تغير الطعم واللون والريح جميعًا أو يكفي أحدهما؟
الشيخ: إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه يكفي فلو فرضنا أن هذا الماء ما تغير طعمه ولا لونه لكن تغيرت رائحته بنجاسة وقعت فيه فإنه يكون نجسا.
سائل: هل حديث (إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على طمعه أو لونه أو ريحه) صحيح؟
الشيخ: هو ضعيف لكن الإجماع منعقد على ذلك الضعيف هي الزيادة إلا أن يتغير لكن هذه الزيادة مجمع عليها فإذا تغير مجمع على أنه نجس.
السائل: الدليل الإجماع؟
الشيخ: الدليل الإجماع يعضد هذا الحديث الضعيف
السائل: فهمنا من كلام المؤلف أن الماء ثلاثة أقسام فهل هذا صحيح؟
الشيخ: هذا سؤال وجيه جدًا يقول فهمنا من كلام المؤلف أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أقسام طهور ونجس وطاهر غير مطهر فهل هذا التقسيم له دليل؟ والجواب لا دليل عليه ولهذا كان القول الراجح أن الماء ينقسم إلى قسمين فقط طهور ونجس وليس في القرآن ولا في السنة أن هناك شيئا يسمى طاهرا غير مطهر إلا ما كان غير ماء كالمرق واللبن وما أشبه ذلك فهذا طاهر غير مطهر لا شك.
السائل: إذا كان البول في الماء الدائم لاينجسه فلماذا نهى النبي ﷺ عنه؟
الشيخ: كما قلنا لكم إن هذا خلاف المروءة وأيضا إذا بال زيد ثم جاء عمرو فبال فسينجس مع كثرة البول فيه
السائل: كيف نقدر القلتين؟
1 / 19
الشيخ: يقول الفقهاء إنها ذراع وربع الذراع طولا وعرضا وعمقًا والذراع معروف وأظنه إما سبعين أو خمس وسبعين من المتر.
السائل: الماء إذا وقع فيه طاهر وغيَّره وأخرجه عن مسماه يحصل اختلاف بين الناس فيه هل خرج عن مسماه أو لا؟
الشيخ: أرى أن يستعمله الإنسان في الطهارة وإن احتاط وتيمم فهو طيب مع أن ابن القيم رحمه وشيخ الإسلام وأظنه مذهب أبي حنيفة يرون جواز الطهارة بالخل وشبهه وبناءً على هذا إذا تغير بشيء مثل الخل ونحوه من الطاهر فإنه يجوز الطهارة به لكن الذي يظهر لي أنا أنه إذا خرج عن اسم الماء فإنه لا يتطهر به طهارة حدث
السائل: هل دم الآدمي نجس؟
الشيخ: أكثر العلماء على أنه نجس وذهب بعض العلماء إلى أنه طاهر إلا ما خرج من السبيلين فما خرج من السبيلين فهو نجس وأما ما سوى ذلك فإنه طاهر مثل الرعاف ودم الجرح وشبهه
السائل: وإذا أصاب الثوب دم كثير؟
الشيخ: هو نجس لكن يعفى عن يسيره على قول الجمهور ولكن في النفس من هذا شيء لأنه لايوجد دليل على نجاسته وأما قول الرسول (اغسلي عنك الدم) فهي إنما سألته عن دم الحيض وأل هنا للعهد ثم إن الصحابة تصيبهم الجراحات في ثيابهم وأبدانهم ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يتحرزون من هذا وأما حديث فاطمة أنها كانت تغسل الدم من وجه النبي ﵊ في غزوة أحد فهذا لا يدل على أنه نجس وإنما يدل على أنه تنبغي إزالته من باب التنظف وإزالة ما يشوه الوجه
السائل: وهل هو ناقض للوضوء
الشيخ: لا غير ناقض للوضوء والخلاف في كونه غير ناقض مشهور معروف لكن الخلاف في كونه نجسا ما هو معروف حتى إن بعضهم حكى الإجماع على النجاسة.
السائل: ما معنى قوله بغير خلاف هل يقصد في المذهب أم في جميع المذاهب
الشيخ: الظاهر إن قصده في المذهب مثل ما يفعل النووي في المجموع يقول بغير خلاف ويريد بغير خلاف في المذهب
السائل: أحسن الله إليكم التفريق بين الأرض وغيره ما هو دليله
1 / 20