114

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ناشر

دار الفكر العربي

ومن ذلك ما جمعه في التفسير وما جمعه من أقوال مفسري السلف الذين يذكرون الأسانيد في كتبهم، وذلك أكثر من ثلاثين مجلداً، وقد بيض أصحابه بعض ذلك، وكثير منه لم يكتبوه؛ ولو كتب كله لبلغ خمسين مجلداً، وكان رحمه الله يقول ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله تعالى الفهم، وأقول يا معلم إبراهيم علمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها، وأمرغ وجهي في التراب، وأقول يا معلم إبراهيم فهمني.

وهذا الكلام يدل على أمرين (أولهما) أنه بعد أن تلقى السنة عن شيوخها سماعاً، وكان قد حفظ القرآن في صغره، كما هو الشأن في تربية أطفال المسلمين منذ أقدم العصور، اتجه إلى دراسة القرآن وفهمه، وتعرف أسراره ومراميه ومعانيه (الأمر الثاني) أنه في سبيل فهم القرآن قرأ كل تفسير عثر عليه؛ حتى يهتدي إلى معاني القرآن، وبذلك تلقى علم التفسير على شيوخ المفسرين وأتمه، وتخرج عليهم فيما دونوه وكتبوه، وأورثوه الأخلاف.

ويظهر أنه بسبب دراسته للسنة كلها سماعاً ما كان يعجب إلا بالتفسير السلفي؛ ولذلك جمع مفسري السلف في مجلدات ضخام؛ بيض أصحابه بعضها، ولم يبيضوا كثيراً منها؛ومجموعها يعطيك صورة عما تلقاه من التفسير الأثري بالقراءة.

١٢١- وإنه لم يقف عند التفسير والسنة؛ بل تجاوزهما إلى الفقه، فلم يقتصر على ما تلقاه عن أبيه من الفقه الحنبلي، بل أخذ يدرس المذاهب الإسلامية كلها في كتبها التي دونت فيها؛ وإن بعض الكتب الحنبلية التي كانت قريبة منه توعز بهذه الدراسة، وتبعث عليها، فكتاب المغني الذي ألفه موفق الدين بن قدامة المتوفى سنة ٦٣٠ شرحاً لمختصر الخرقي، فيه موازنة قيمة جامعة بين المذاهب الأربعة، بل يتجاوزها أحياناً إلى غيرهم من فقهاء المسلمين، ولا بد أن يكون ذلك الكتاب كان معروفاً مقروءاً في دمشق في عهد ابن تيمية لقرب العهد من المؤلف من جهة،

113