98

والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ،

قل نزله روح القدس من ربك بالحق ... وتارة يخبر بأنه في السماء، كقوله تعالى:

أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ؟ وكذلك قال النبي

صلى الله عليه وسلم : «ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء !» وقال للجارية: «أين الله؟» قالت: «في السماء.» قال: «اعتقها فإنها مؤمنة».»

وبعد أن أورد الشيخ رحمه الله هذه النصوص وأخرى من أمثالها، قال: إنه لا يخلو الأمر من أن يكون الحق هو ما تضافرت عليه هذه النصوص من علو الله على خلقه، أو أن يكون الحق هو نفي ذلك ونقيضه.

فإن كان نفي هذا هو الحق، فإن من المعلوم أن القرآن لم يبين هذا نصا ولا غير نص، ولا الرسول، ولا أحد من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، ولا يمكن أن ينقل عن واحد من هؤلاء أنه نفى ذلك أو أخبر به، وأما ما نقل من الإثبات عن هؤلاء فأكثر من أن يحصى أو يحصر، وإذن يكون الحق هو إثبات صفة العلو؛ لأن الحق لا يخرج عن أحد النقيضين كما قلنا.

ولكن لنا ولغيرنا أن يتساءل: ما حقيقة أو كيفية استواء الله تعالى على العرش، وكيف يكون في السماء وتعرج إليه الأشياء وتنزل من عنده؟ وذلك ما يشعر بالتجسيم أو التشبيه على الأقل، فهلا يجب تأويل هذه الآيات والأحاديث على أي نحو من أنحاء التأويل؛ أي بما يدل على أن المراد بالعلو فيها هو علوه تعالى في المكانة مثلا؟

هنا يذكر ابن تيمية أن هذا التأويل المجازي لا يمكن القول به، فإنه «معلوم باتفاق العقلاء أن المخاطب المبين إذا تكلم بمجاز فلا بد أن يقرن بخطابه ما يدل على إرادة المعنى المجازي.

فإذا كان الرسول المبلغ المبين الذي بين للناس ما نزل إليهم، يعلم أن المراد بالكلام خلاف مفهومه ومقتضاه، كان عليه أن يقرن بخطابه ما يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يرد لا سيما إذا كان باطلا لا يجوز اعتقاده في الله.»

19

صفحه نامشخص