58

وقد كان شيخ الإسلام سلفيا في كل آرائه، فاتهم بلا حق بأنه يرى رأي المجسمة أو المشبهة، وأثار خصومه الناس وبعض السلاطين والأمراء عليه بسبب آرائه في هذه المسألة التي جاءت في الرسالة الحموية، فكانت فتنة ومحنة نجاه الله منها كما ذكرها صاحب «فوات الوفيات».

ويبسط ابن كثير القول قليلا في هذه المسألة، فيذكر أنه في أواخر دولة الملك المنصور لاجين السلحداري قام على ابن تيمية جماعة من الفقهاء وأرادوا أن يحضر إلى مجلس القاضي الحنفي جلال الدين، ولكنه أبى أن يحضر، فشنعوا عليه بالمناداة في البلد ضد رأيه الذي أبانه في الرسالة الحموية.

ولكن أحد الأمراء انتصر له وأرسل يطلب من قالوا ضده، فاختفى الكثيرون منهم، كما ضرب بعض من نادوا عليه فسكت الباقون وسكنت الفتنة.

ثم اجتمع الشيخ بالقاضي إمام الدين وعنده جماعة من العلماء والفضلاء، وبحثوه في الرسالة وناقشوه في مواضع منها، فأجاب الشيخ عما سألوه بما أسكتهم بعد كلام كثير، وكان القاضي إمام الدين معتقده حسنا ومقصده صالحا.

3 (2)

على أن خصومه لم يتركوه هادئا، واستعدوا عليه ذوي السلطان متخذين عقيدته والطعن فيها لذلك سببا يتذرعون به للنيل منه، وفي هذا يقول ابن رجب: ثم امتحن سنة 705 بالسؤال عن معتقده بأمر السلطان، فجمع نائبه القضاة والعلماء بالقصر، وأحضر الشيخ وسأله عن ذلك، فبعث الشيخ من أحضر من داره «العقيدة الواسطية»، فقرءوها في ثلاثة مجالس، وحاققوه وبحثوا معه، ووقع الاتفاق بعد ذلك على أن هذه عقيدة سنية سلفية، فمنهم من قال ذلك طوعا، ومنهم من قاله كرها.

وورد بعد ذلك كتاب من السلطان فيه: إنما قصدنا براءة ساحة الشيخ، وتبين لنا أنه على عقيدة السلف.

4

وهنا نذكر أن هذه العقيدة الواسطية نشرت مرات كثيرة، وآخر نشرة لها سنة 1380ه/1961م بمطبعة المدني بالقاهرة، ومن الخير أن نأتي هنا ببعض افتتاحه لها، وذلك إذ يقول رحمه الله تعالى: «أما بعد، فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.

ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد

صفحه نامشخص