193

ومع هذا، فليس لولاة الأموال - كما يذكر الشيخ بعد ذلك - أن يقسموها حسب أهوائهم كما يقسم المالك ملكه، فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء، وليسوا ملاكا، وفي ذلك يقول الرسول

صلى الله عليه وسلم : «إني والله لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا، وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت.»

وقد سار الخلفاء الراشدين على هذا النهج النبوي، فهذا رجل يقول لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، لو وسعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى؟ فيجيبه الفاروق بقوله: أتدري مثلي ومثل هؤلاء؟ إنه كمثل قوم كانوا في سفر فجمعوا مالا وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم بشيء من أموالهم؟!

وحمل إليه، رضي الله عنه، مرة مال عظيم من الخمس فقال: إن قوما أدوا الأمانة في هذا لأمناء، فقال له بعض الحاضرين: إنك أديت الأمانة إلى الله تعالى فأدوا إليك الأمانة، ولو رتعت رتعوا!

الظلم من الولاة والرعية

وبعد أن تناول أصناف الأموال السلطانية، من الغنائم والصدقات والفيء، أخذ في الكلام على الظلم الذي كثيرا ما يقع من الولاة والرعية، أولئك يأخذون ما لا يحل، وهؤلاء يمنعون ما يجب.

كما قد يتظالم الجند والفلاحون، ويكنز الولاة من مال الله ما لا يحل كنزه، وكذلك العقوبات على أداء الأموال، فإنه قد يترك منها ما يباح أو يجب، وقد يفعل ما لا يحل.

والأصل العام الذي يرجع إليه حكم الله في ذلك كله، هو أن من عليه مال يجب أن يؤديه لأنه حق واجب عليه متى كان قادرا على أدائه بالحبس أو الضرب إذا لزم الأمر.

ويستدل ابن تيمية لهذا بما جاء في الصحيحين من قوله

صلى الله عليه وسلم : «مطل الغني ظلم»، وبما رواه أهل السنن من قوله: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته.»

صفحه نامشخص