وكانت بيعة السلطان للخليفة، كما يذكر المقريزي في كتابه «السلوك»، على العمل بكتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، وعلى أخذ الأموال بحقها وصرفها في مستحقيها.
7
ونشير هنا إلى أن هذه الخلافة كانت رمزية لا أكثر، وذلك ما كان يتفق وطبيعة ذلك الزمان والحاكمين المتسلطين فيه، فلم يكن للخليفة - كما يقول المقريزي في «الخطط» - أمر ولا نهي، إنما حظه أن يقال: أمير المؤمنين!
ومهما يكن، فقد تبنى الخلافة بلد قوي، وآوت إلى ركن شديد، وأصبحت الأنظار ترنو إلى مصر بعد أن ردت التتار عن الشرق والإسلام والمسلمين، وبعد أن ظفر سلاطينها من المماليك بسند شرعي يتمثل في تقليد الخلفاء إياهم وتوليتهم لهم. (3) ثانيا: ظهور الفرنج
إذا كان ظهور التتار بالشام لم يكن إلا بعد سقوط بغداد سنة 656 كما رأينا، فإن الفرنج بدءوا في غاراتهم على الشام ومصر قبل ذلك بأكثر من قرن ونصف من الزمان، فإن ابن الأثير يذكر في حوادث سنة 491 أنه في سنة 490 خرج الفرنج إلى بلاد الشام، ثم يقول: «وقيل - أي في بيان سبب خروجهم إلى الشام - إن أصحاب مصر من العلويين (يريد أصحاب الدولة الفاطمية الشيعية) لما رأوا قوة الدولة السلجوقية، وتمكنها واستيلاءها على بلاد الشام إلى غزة، ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم من دخولها وحصرها، خافوا وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام؛ ليملكوها ويكونوا بينهم وبين المسلمين، والله أعلم.»
8
ومهما يكن سبب خروج الفرنج إلى الشام، فإنهم استمروا في غاراتهم عليها وعلى مصر، ينتصرون مرة وينهزمون أخرى، وظلت الحرب سجالا بين الطرفين نحو قرنين من الزمان، حتى انتهى الأمر بطردهم نهائيا، على يد الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون سنة 690ه، وفي هذا يقول ابن كثير: «وفيها فتحت عكا وبقية السواحل التي كانت بأيدي الفرنج من مدد متطاولة، ولم يبق لهم فيها حجر واحد، ولله الحمد والمنة.»
9
من أجل ذلك كان عدم الاستقرار في مصر والشام هو طابع ذلك العصر؛ بسبب هؤلاء الصليبيين الذين انضم إليهم التتار، وقد ظهروا في الميدان في النصف الثاني من القرن السابع الهجري، وكانت معارك لا يكاد يخمد أوارها حتى تندلع من جديد هنا أو هناك في الشام ومصر، وكان على الشيخ ابن تيمية وأمثاله واجب يقومون به، وقد قاموا به فعلا.
صفحه نامشخص