27

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ناشر

دار الفكر العربي

٢٨- وكان للحنابلة بين المدارس الفقهية والاعتقادية مدارس خاصة بهم مثل المدرسة الجوزية والمدرسة السكرية، كما كان لهم المدرسة العمرية التي أنشأها أبو عمر بن قدامة بناها بسفح قيسون للفقراء المشتغلين بالقرآن والفقه(١).

وفي هذه المدارس الحنبلية تخرج ابن تيمية، ودرس في كنف أبيه ورعايته وتوجيهه، وكان لابد قد رأى الأشاعرة، وهم يهاجمون الحنابلة، ويرمونهم بالتجسيم والتشبيه، ووجد طرائقهم الجدلية، ودراستهم للعقائد التي تجمع بين النهج الفلسفي العقلي، والنهج العقلي، فدرس الطريقتين وأتقنهما، وإنه في هذا السبيل درس المنطق وأشكاله وأقيسته.

ولم تكن ثمة محاجزات تحول دون الدراسة والفحص، فالعقل البشري طلعة يحاول التعرف والوصول إلى المعرفة، ولا بد أن الفتى تقي الدين، وهو ذو الهمة، قد ندب نفسه للجدل مع الأشاعرة، وقبل الجدل معهم لابد أن يكون قد عرف ما عندهم معرفة دقيقة ليحكم عليه بأنه حق أو باطل، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، حتى إذا تكون له رأي في منهاجهم، سواء أكان لهم أم كان عليهم لابد أن يكون قد عرف طرائق بحثهم وجدلهم، ليستطيع أن ينازلهم بسلاحهم إن كانوا معه على خلاف، فإن الخصم مأخوذ بسلاح خصمه دائماً، ليستطيع أن ينال منه، ويزهق باطله ولابد أنه قد اطلع على آراء المعتزلة التي تصدى الأشاعرة لنزالهم، ثم آراء الفلاسفة الذين تصدى الغزالي وهو من اعتنق آراء الأشعري لبيان تهافتهم.

(١) راجع في هذا البداية والنهاية لابن كثير الجزء الثالث عشر ص ٥٨ - وأبو عمر ابن قدامة باني هذه المدرسة هو أخو موفق الدين عبد الله أحمد بن قدامة صاحب المغني في الفقه الحنبلي، وكان أكبر من موفق الدين، وهو الذي رباه، وقد كان عالماً زاهداً ورعاً تقياً منصرفاً للعلم خطيباً، ومع ذلك ما كان ينقطع عن غزو الصليبيين مع صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه، وقد ولد سنة ٥٢٨ وتوفي سنة ٦٠٧، وكان على مذهب السلف الصالح سمتاً وهدياً، وأخذاً بالكتاب والسنة رضي الله عنه.

26