101

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ناشر

دار الفكر العربي

أن هذه الصفة هي التي جعلته يحدد أمر هذا الدين، ذلك لأن غيره كان يفهم الأمور بعقل غيره، أو مأخوذاً بذلك العقل، أما ذلك المجدد العظيم، فقد كان ينظر إلى الدين غير متأثر بتفكير أحد إلا بالكتاب والسنة وآثار الصحابة وبعض التابعين، وبذلك جدد أمر الإسلام، بأن أزال ما علق به من غبار القرون، ورده إلى أصله الأول جديداً قشيباً.

١١١- الصفة الخامسة: الإخلاص في طلب الحق، والطهارة من أدران الهوى والغرض في طلب الدين وكشفه للناس، والإخلاص يقذف في قلب المخلص بنور الحقيقة ويجعله يدرك الأمور إدراكاً مستقيماً لا عوج فيه، ولا شيء يضلل العقل، ويجعله يعوج عن طريق الهداية أكثر من الغرض والهوى، والتواء المقصد فإن ذلك يجعل العقل يلتوي فلا يدرك، ويجعل الفكر مدوّناً فلا ينفذ إلى الحقيقة، وفي الحكمة المشرقية إن الاتجاه المستقيم المخلص يجعل الفكر مستقيماً، والعمل مستقيماً، والقول مستقيماً.

وقد آتى الله ابن تيمية أكبر حظ من الإخلاص، فقد أخلص لله في طلب الحقيقة فأدركها، وأخلص في نصرة الحق في هذا الدين فلم يقبضه إليه حتى ترك دوياً في عصره، وتناقلته الأجيال من بعده، وكل من يقرأه يلمس نور الحقيقة ساطعاً مما يقرأ، وإشراق الإخلاص منيراً للقارئ، ويتأثر القارئ بما يقرأ، لأنه يجد حرارة الإيمان بينة قوية لا تحتاج إلى كشف.

وقد تجلى إخلاصه في أمور أربعة أظلمت حياته كلها، فما كان يخلو منها دور من أدوار حياته، مما جعلنا نؤمن بأن هذا العالم الجليل عاش دهره كله مخلصاً لله العلي العليم، ولدينه الكريم.

(أولها) أنه كان يجابه العلماء بما يوحيه فكره، يعلنه بين الناس بعد طول الفحص والدراسة، خصوصاً ما يكون مخالفاً لما جرى عليه مألوف الناس، وما عرف بينهم، فإذا أدركه وعلم وجه الحق فيه جهر به، لا يهمه رضى الناس

100