حرية الإنسان
وواضح من فحوى هذه الآراء أن أفلاطون لا يقرن بين مسألة العدل الإلهي ومسألة الحرية الإنسانية كما يفعل الباحثون في مسألة القضاء والقدر من المؤمنين بالأديان الكتابية؛ لأنه لا يرى أن الله يظلم الإنسان بما يصيبه من ضرورات المادة ونقائض الأجساد، بل يعطيه الخير والجمال ويعينه على المادة الغليظة ويطهره بالغلبة على شهواتها ونزواتها وضروراتها، ويهب له النفس المجردة لينتصر بها على النوازع المتلبسة بالتجسيم ونقائض الجسوم. (3-2) أرسطو
والمعروف عن أرسطو أنه تلميذ أفلاطون، بل أكبر تلاميذه وأكبر فلاسفة اليونان وفلاسفة الزمن القديم غير مدافع. ويرى بعض المحدثين أنه نمط مقابل لنمط التفكير الأفلاطوني يتممه تارة ويتم به تارة أخرى. وهو رأي صحيح إذا أردنا به التفرقة بين جملة الأفكار الأرسطية وجملة الأفكار الأفلاطونية في جميع المباحث والموضوعات. ولكنه إذا قصرناه على الفلسفة الإلهية لا يبلغ هذا المبلغ من التقابل ولا سيما التقابل بين القطبين المتعارضين؛ لأننا نستطيع أن نقول إن الفلسفة الإلهية عند أرسطو وعند أستاذه موحدة الأساس موحدة الآفاق مع زيادة في المنطق ونقص في الخيال والاعتقاد في جانب التلميذ الكبير، وتثبت لنا هذه المشابهة من المقارنة بين رأييهما في العالم والروح ومسألة الشر ومسألة الحرية الإنسانية.
العالم
فأرسطو يرى كما يرى أفلاطون أن الهيولى لا تحتاج إلى موحد ولكنها تحتاج إلى محرك ترجع إليه أسباب جميع حركاتها، وأنها قديمة وإن كان إثبات قدمها بالبرهان غير مستطاع.
والمتحركات لا بد لها من محرك، ولا بد لهذا المحرك من محرك غيره، وهكذا إلى نهاية يستقر لديها العقل لأن العقل لا يستقر إلى الدور والتسلسل في الأسباب الماضية.
فما هي هذه النهاية التي يحسن لديها الاستقرار؟
إنها ليست حركة أخرى، لأن الحركة الأخرى تستلزم حركة قبلها كما تقدم. فهي إذن شيء يحرك غيره ولا يتحرك، لأن الحركة تحول بالكيفية أو تحول بالكمية أو تحول بالمكان ... وليست حركة من هذه الحركات بالأمر الذي يجوز في حق الكائن الأول أو العلة الأولى.
فالكائن الأول ينبغي عقلا أن يكون واحدا غير متجزئ؛ لأن الأجزاء تسبق الكل المتجمع منها، كاملا لأنه لا ينتظر شيئا من خارجه يستوفيه، محضا لا تشوبه مادة لأن المادة تفتقر إلى من يحركها، قديما بغير بداية أو نهاية لأن البدايات جميعا لا بد أن تنتهي إليه.
ويستطرد أرسطو على هذا النحو في تصور الحقيقة الإلهية حتى يزعم أن الكائن الأول - أو الله - غير عالم بالكليات والجزئيات. لأن العلم بالكلية يأتي بعد العلم بالجزئية ولأن العلم بالجزئيات يقع أجزاء على أوقات متفرقات، ولكن علم الله هو عقله لنفسه، وهو السعادة العليا لأنه لا يعقل إذن إلا الكمال المطلق بغير حاجة إلى شيء يستوفيه من المعلومات. ويقتضي تسلسل التفكير على هذا النحو عند أرسطو أن الله غير مريد لأن الإرادة اختيار وطلب، ولأن الاختيار تردد والطلب فاقة وافتقار ...
صفحه نامشخص