فينبغي على المؤمن الموحد أن يؤمن بصفات الله، وأن يؤمن كذلك بأنها ليست كصفات الإنسان.
فإن الإنسان له قابليات للكرم والحلم والرحمة والعدل وسائر الصفات الحميدة، ولكن القابليات تحتاج إلى من يوجدها ومن يخرجها من القوة إلى الفعل، وهذا إن جاز في حق الإنسان فليس مما يجوز في حق الله.
ومن أمثلة كلامه في هذا المبحث قوله: «أما قوله:
لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فإن معناه لا يفعل فعلا من أجل أنه واجب عليه أن يفعله؛ لأن من هذا شأنه فيه حاجة إلى ذلك الفعل ... والبارئ سبحانه وتعالى يتنزه عن هذا المعنى، فالإنسان يعدل ليستفيد بالعدل خيرا في نفسه لو لم يعدل لم يوجد له ذلك الخير، وهو سبحانه وتعالى يعدل لا لأن ذاته تستكمل بذلك العدل؛ بل لأن الكمال الذي في ذاته اقتضى أن يعدل، فإذا فهم هذا ظهر أنه لا يتصف بالعدل على الوجه الذي يتصف به الإنسان ...»
11
فلا نكران للصفات، وإنما النكران للمشابهة بين صفات الإنسان وصفات الله، وإنها تشترك في الأسماء كالرحمة والعدل والعفو والكرم، ولكنها لا تشترك في المدلولات.
أما مسألة الحقيقتين، فخلاصتها أن حقيقة الشرع وحقيقة العلم والحكمة شيء واحد يختلف في العبارة ولا يختلف في الجوهر، وقد صرح ابن رشد بأن «الفلسفة تفحص عن كل ما جاء في الشرع، فإن أدركته استوى الإدراكان، وكان ذلك أتم في المعرفة، وإن لم تدركه أعلمت بقصور العقل الإنساني عنه، وأن يدركه الشرع فقط ...»
12
وقد قال ابن رشد في صدر كتابه «فصل المقال»: «إن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارها ... والاعتبار ليس شيئا أكثر من استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه منه، وهذا هو القياس.»
وقال: إن موضوع الفلسفة هو البحث في التوحيد وحكمة الوجود، خلافا لقول ابن سينا إن موضوع الفلسفة هو البحث في «الموجود من حيث هو موجود»، أي: البحث في كنه الوجود.
صفحه نامشخص