وقد أعان ابن رشد على ذلك أن كلمة الروح عندنا تشمل معنى النفس والعقل معا في معظم معانيها، فالنفس تقرن بالشر والذنب في كلامنا، وقلما تقرن الروح بمثل ذلك، فإذا قيل نفس شريرة على العموم، فمن النادر أن يقال ذلك عن الروح وعن الروحاني؛ لأن الروحانيات أشرف وأصفى من ذاك.
وقد تكلم أرسطو عن النفس والعقل في كتاب الأخلاق وفي كتاب النفس، ووضح في كلامه عن العقل أنه ينطبق أيضا على الروح كما قال في كتاب الأخلاق عن السعادة العليا للإنسان وهي سعادة التأمل، ثم قال: «مثل هذه الحياة ربما كانت أرفع جدا مما يستطيعه الإنسان؛ لأنه لا يحيا هذه الحياة باعتباره إنسانا، بل يحياها بمقدار ما فيه من النفحة الإلهية، والفرق بين هذه النفحة الإلهية وبين تركيبنا الطبيعي كالفرق بين عمل ذلك الجانب الإلهي وعمل الفضائل الأخرى، وإذا كان العقل إلهيا فالحياة على مثاله إلهية بالنسبة إلى المعيشة الإنسانية. وعلينا ألا نتبع أولئك الذين ينصحون لنا ما دمنا بشرا أن نشتغل بهموم البشر، وما دمنا فانين أن نعمل عمل الفانين، بل علينا ما استطعنا أن نعمل عمل الخالدين، وأن نحفز كل عرق من عروقنا حتى نسمو إلى مرتبة أرفع ما فينا - وإن قل وصغر - لأقدر وأكمل من كل شيء عداه.»
10
أما النفس عند أرسطو فتكاد أن تكون في أكثر مصطلحاته مرادفة للوظيفة الحيوية؛ ولهذا ينسب إلى النبات نفسا نامية، وإلى الحيوان نفسا شهوانية، ويسخر من فيثاغوراس الذي يقول إن نفس الإنسان قد تنتقل إلى الحيوان، ويرى أن السؤال عن العلاقة بين النفس والجسد كالسؤال عن العلاقة بين الشمعة وصورتها؛ فلولا صورة الشمعة لكانت شحما ودهنا ولم تكن شمعة، ولولا نفس الإنسان لكان الإنسان لحما وعظاما وعصبا ولم يكن بالإنسان.
وعنده أن النفس جوهر بالمعنى الذي يقابل «الماهية» التي تميز الشيء من غيره.
وبعد أن بسط القول في خصائص النفس في كتابه عنها تكلم عن العقل، فقال: إنه أعلى من النفس ، وإنه على ما يبدو له «جوهر مستقل مودع في النفس وغير قابل للفناء».
ثم قال: «وليس لدينا بعد بينة في أمر العقل والملكة المدركة، ويبدو أن العقل نفس - أو روح - مختلفة تماما كاختلاف ما هو باق دائم وما هو زائل فان، وهي وحدها صالحة للوجود بمعزل عن سائر القوى النفسانية، وكل ما عداها من الأجزاء النفسية فظاهر مما أسلفناه أنه غير قابل للوجود المنفصل خلافا لما يقول به كثيرون.»
ودليل أرسطو على بقاء العقل وصلاحه للوجود المنفصل أن الحقيقة العقلية لا تتوقف على الأشخاص، ولا تنقص بنقص هذا الشخص أو ذاك، فهي مستقلة منزهة عن الفناء الذي يصيب الأشخاص.
أما ابن رشد فنحن نورد كلامه هنا في مواضع مختلفة، ثم نعقب عليه بالخلاصة التي تستفاد منه في جملته.
نقل في كتابه «تهافت التهافت» كلام الغزالي في الرد على القائلين بفناء النفس، فقال: «ما قاله هذا الرجل في معاندتهم هو جيد، ولا بد في معاندتهم أن توضع النفس غير مائتة كما دلت عليه الدلائل العقلية والشرعية، وأن يوضع أن التي تعود هي أمثال هذه الأجسام التي كانت في هذه الدار لا هي بعينها ... وذلك أن ما عدم ثم وجد فإنه واحد بالنوع لا واحد بالعدد.»
صفحه نامشخص