ثم استطرد المؤلف إلى تلخيص فلسفة ابن رشد بعد بيان كتبه التي كانت متداولة بين قراء اللاتينية، فقال:
إن وجود الكائن الأعلى - الله - هو موضوع فلسفة ما بعد الطبيعة، وإثبات وجوده قائم بالبراهين الفعلية، وهو الذي تصدر عنه العقول منذ الأزل، وكل موجود غير الله لا يفسر وجوده بغير عمل خالق، فليست العقول صادرة على التتابع واحدا بعد الآخر على حسب مذهب ابن سينا، بل هي من خلق الله أصلا، وإنما يأتي تعددها من أنها لا تتساوى في الكمال والصفاء، وهي في الخارج متصلة بالأفلاك، فالسماوات جملة من الأفلاك كل منها له صورة
3
من أحد العقول، والمحرك الأول يحرك الفلك الأول، وهذا يحرك الأفلاك الأخرى إلى القمر الذي يحركه العقل الإنساني؛ لأنه يتصل بمداركنا ومعقولاتنا وله عمل على اتصال بما فوق الطبيعة كما في مذهب ابن سينا.
والمادة قديمة مع الله؛ لأن العدم لا يتعلق به عمل خالق ... وهي عاجزة عن العمل، ولكنها ليست خواء تناط به الصور كما في مذهب الأفلاطونية الحديثة، بل هي قابلية عامة تشتمل على الصور المحتلفة، ومع حضور هذه المادة القديمة يخرج منها الخالق قواها العاملة، وينشأ العالم المادي من أثر هذا الخلق الدائم، ولا بد من تتابع هذه الحركات بلا بداية ولا نهاية.
والعقل الإنساني - وهو آخر سلسلة الأفلاك - هو صورة غير مادية، أبدية، منفصل من الآحاد، متحد في جملته، وهذا العقل هو العقل الفعال والعقل الهيولاني أو العقل الممكن معا. والعقل الإنساني في أفراد النوع البشري جميعا واحد لا ينفصل بانفصال الأشخاص، ولا يتغير بتغير الذات
Objective ، وهو النور الذي يضيء النفوس البشرية ويكفل للبشر مشاركة لا تتبدل في الحقائق الأبدية.
والمعرفة العقلية
4
في الإنسان الفرد تجري على النحو الآتي: فالعقل بتأثيره في أشكال الحواس التي تخص كل إنسان يتصل بذلك الإنسان حسب استعداده من غير أن يلحقه نقص بهذه الصلات المتعددة، وأول درجة من درجات هذا التعقل تحدث في الإنسان ما يسمى بالعقل المكتسب، وبه يشترك العقل الخاص المنفصل في مدركات العقل العام المتحد، وهناك اتصالات أخرى بين عقل الإنسان والعقل العام، وهي الاتصالات التي تأتي من إدراك الماهيات المفارقة، وأعلاها وأرفعها ما يأتي من المعرفة اللدنية ووحي النبوة.
صفحه نامشخص