265

ابن الرومی: زندگی او از شعرش

ابن الرومي: حياته من شعره

ژانرها

وهذا أشبه بابن الرومي؛ لأنه في صميمه خلق مسالما سهلا، ولم يخلق شريرا مطويا على الشكس والعداوة، بل هو لو كان شريرا لما اضطر إلى كل هذا الهجاء، أو هو لو كان أكثر شرا لكان أقل هجاء؛ لأنه كان يأمن جانب العدوان فلا يقابله بمثله، وما كان الهجاء عنده كما قلنا إلا سلاح دفاع لا سلاح هجوم، وما كان هجاؤه يشف عن الكيد والنكاية وما شابههما من ضروب الشر المستقر في الغريزة، كما كان يشف عن الحرج والتبرم والشعور بالظلم الذي لا طاقة له باحتماله ولا باتقائه. وكثير من الأشرار الذين يقتلون ويعيثون في الأرض يقضون الحياة دون أن تسمع منهم كلمة ذم في إنسان، وكثير من الناس يذمون ويتسخطون وهم مطبوعون على الخير والعطف وحسن المودة، بل هم قد يذمون ويسخطون؛ لأنهم على ذلك مطبوعون.

ومن قرأ مراثي ابن الرومي في أولاده وأمه وأخيه وزوجته وخالته وبعض أصدقائه؛ علم منها أنها مراثي رجل مفطور على الحنان ورعاية الرحم والأنس بالأصدقاء والإخوان، فمراثيه هي التي تدل عليه حق الدلالة المنصفة، وليست مدائحه التي كان يمليها الطمع والرغبة، أو أهاجيه التي كان يمليها الغيظ وقلة الصبر على خلائق الناس؛ ففي هذه المراثي تظهر لنا طبيعة الرجل لا تشوبها المطامع والضرورات، ونرى فيه الولد البار، والأخ الشفيق، والوالد الرحيم، والزوج الودود، والقريب الرءوم، والصديق المحزون، ولا يكون الرجل كذلك ثم يكون مع ذلك شريرا، مغلق الفؤاد، مطبوعا على الكيد والإيذاء.

وإذا اختلف القولان بينه وبين أبناء عصره، فأحجى بنا أن نصدق كلامه هو في أبناء عصره قبل أن نصدق كلامهم فيه؛ لأنهم كانوا يستبيحون إيذاءه، ويستسهلون الكذب عليه لغرابة أطواره، وتعود الناس أن يصدقوا كل ما يرمى به غريب الأطوار من التهم والأعاجيب، في حين أنه كان يتحامى تلك التهم، ويغفر الإساءة بعد الإساءة مخافة من كثرة الشكاية، وعلما منه بقلة الإنصاف:

أتاني مقال من أخ فاغتفرته

وإن كان فيما دونه وجه معتب

وذكرت نفسي منه عند امتعاضها

محاسن تعفو الذنب عن كل مذنب

ومثلي رأى الحسنى بعين جلية

وأغضى عن العوراء غير مؤنب

فيا هاربا من سخطنا متنصلا

صفحه نامشخص