ويستمع اليهود إلى كلام يسوع منغضين
2
رءوسهم، ويقولون: كان يسوع يخاطبنا كراع، فأخذ الآن يخاطبنا كيوحنا، فهل هو المعمدان نفسه؟ ولماذا يستشهد لنا بالوثنيين؟ ولماذا يفتخر بالآيات التي أتى بها مع أنه لم ينكرها أحد؟ ألم يطالب من أبرأهم بكتمان السر؟
وإن قنوط يسوع من ذلك الشعب الضال ومقته حملة الشريعة يبعدانه من هذين الفريقين، فيزيد ميله إلى ترك بلاد الجليل والطواف في بلاد الإشراك، وسواء أتوجه يسوع إلى السامرية في الجنوب، أم إلى صور في الغرب، فإنه يعين أهل الإلحاد فيهما، ويشفي مرضاهما من غير أن يحاول بينهم وعظا، أو دعوة إلى إيمان، ومما لا ريب فيه أن جوابه عن سؤال ناموسي: «من هو القريب الذي يجب أن أحبه أكثر من أي شخص آخر؟» أمر واقعي عرفه في بلاد الإشراك، فهذا الجواب الذي هو: «إنسان كان نازلا من أورشليم إلى أريحا، فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت، فعرض أن كاهنا نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله، وكذلك لاوي أيضا؛ إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله، ولكن سامريا مسافرا جاء إليه، ولما رآه تحنن فتقدم وضمد جراحاته، وصب عليها زيتا وخمرا، وأركبه على دابته، وأتى به إلى فندق واعتنى به، وفي الغد لما مضى أخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق وقال له: اعتن به، ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أوفيك، فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريبا للذي وقع بين اللصوص؟ ... اذهب أنت أيضا واصنع هكذا.» قد علمه ملايين البشر منذ قرون فخلد السامري المجهول به اسم شعبه المشرك.
ويشعر يسوع بأنه مطارد ومشتبه فيه، فلا يخالط الشعب مقتصرا على تلاميذه، وليعلم تلاميذه أفكاره، ولينشروا من الأقوال ما يجادل فيه، فلا يوثق به في كل مكان، وكلما حمل يسوع على العزلة تصور مذهبه في باطنه، لا على صيغ مقررة، وعاد يسوع لا يكلم بلهجة عاطفية كما يكلم الأب أبناءه، بل أخذ يبدو سيدا آمرا، ويلوح من خلال تعاليمه لتلاميذه الذين يدعوهم بالحواريين أيضا، مقدار المرارة فيه بعد أن مد ذراعيه لكسب القلوب فقوبل بالمقاومة تارة، وبعدم الاكتراث تارة أخرى.
قال يسوع: «ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام.» ولم تفارق السذاجة يسوع في أي وقت، ولم يبد حكيما كالحية في أي حين. ويسوع إذ أصبح أبا لتلاميذه وجب على هؤلاء الأبناء أن يعتبروا بتجاربه، فيغدوا أشد حكمة منه.
ويتجنب يسوع كل ما يشعر بأنه صاحب طريقة خاصة كالآزيين، ويحظر يسوع كل شعار، ويطالب يسوع تلاميذه بأن يكونوا ذوي عوز لم يأمر بمثله سيد قبله، فلا فلس ولا خبز ولا كيس، ولا عصا عند السفر، فهم يجدون بيوتا مقراة
3
كما يجد، فعلى من يأتي الفقراء والعزل بالبشرى أن يكون فقيرا أعزل، «فأي بيت دخلتموه فهناك أقيموا، ومن هناك اخرجوا، وكل من لا يقبلكم فاخرجوا من تلك المدينة وانفضوا الغبار أيضا عن أرجلكم شهادة عليهم .» فيا لقسوة المعلم بعد حلم! وإلى أين ذهبت نبرات المحبة؟ لقد أضحى شبيها بنبي غضوب.
وقد بدا تلاميذه خرقا ذات مرة فعنفهم بقوله: «لماذا تدعونني بالمعلم ما دمتم لا تعملون بما أقول؟ ... تقولون: إنا أكلنا وشربنا أمامك، وقد علمت في شوارعنا ... أقول لكم: إني لا أعرفكم. من أين أنتم؟ أبعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم.» ويحس بعده من جلسائه، ويؤنب متجبرا تلاميذ جددا أتوه بقوله: «ليس من تلاميذي من يأتيني غير مزدر لأبيه وأمه وزوجته وأولاده وإخوته وأخواته وحياته أيضا.»
صفحه نامشخص