Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

ناشر

دار الفكر العربي

محل انتشار

القاهرة

الإمام محمد ابو زهرة

ابن حزم

حياته وعصره - آراؤه وفقهه

ملتزم الطبع والنشر

دار الفكر العربي
١١ ش جواد حسني - القاهرة
تليفون: ٣٩٢٥٥٢٣

1

-

صفحه نامشخص

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للناس أجمعين، والهادي إلى الصراط المستقيم، قد نزل عليه القرآن الكريم بأكمل شريعة، وأهدى طريقة، نزل به الروح الأمين، وبينه الرسول الحكيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد : فقد وفقني المولى العليم الحكيم، فكتبت في الأئمة الأربعة المجمع على إمامتهم، والمتبعة طريقتهم في الاجتهاد والاستنباط، والمقتدى بهم من لم يبلغ شأو المجتهد، ولا غاية المقتصد، فرضي بالاتباع مع معرفة الدليل، أو التقليد من غير دليل.

ثم وفقني الله من بعد، فكتبت في إمام بلغ رتبة الاجتهاد، فاجتهد وتخبر، وعاد بالفقه غض الإهاب رحب الجناب، كما كان في عهده الأول، ولكنه في جملة ما اجتهد وبحث واستنبط لم يخرج عما وصل إليه الأئمة الأربعة إلا في القليل من مسائل الفقه، ولم يصل ما انفرد به إلى حد الكثير، وبعض هذا الذي انفرد به عن الأئمة الأربعة له أصل عند غيرهم كالإمامية، ذلكم هو الإمام تقي الدين بن تيمية.

وكان حقاً علي إذا لاحظت سبق الزمان أن أسبقه بابن حزم، فهو يسبقه بثلاثة قرون إلا قليلا، ولكنا أخرنا القول فيه، لا لتأخير رتبته، وإنما أخرناه لأنه نوع آخر من الفقه، ليس من نوع ما جاء به الأربعة، وإن كان الأصل واحداً، فليس من لونه، وإن اتحد المعدن. وكلهم ملتمسين من كتاب الله وسنة رسوله، وكلهم وارد وزدهم الصافي الذي فيه الشفاء والرحمة للمؤمنين.

إن ابن حزم فقيه ظاهري، أحيا فقه داود الأصبهاني، وسلك به مسلكاً اتسم بسمته فوسع رحابه وأيد فروعه بالأدلة، وناقض مخالفیه في

3

أقوال صارمة ، وجدل غلب فيه الإفحام والإلزام، وصال وجال، وعاضد أقوال الظاهرية بأقوال بعض الأئمة إن وجد فيها نصيراً، وأفاض في شرح فقه الصحابة والتابعين، وأخرج من ذلك كنوزاً نافعة، وكشف عن معين لا ينضب ماؤه، ولا ينقطع وراده، واستخرج من ذلك الخضم الزخار من الآثار السلفية نفائس انفرد باستخراجها وكشفها.

فكان لا بد بعد أن تكلمنا في فقه الأئمة الأربعة ومن قاربهم أن نتجه إليه؛ لنعرف ما جاء به، ولنبين النوع الذي أمد به ينابيع الفقه الإسلامي، واللون الذي اختص به من بين جمهورهم.

وإن ابن حزم فوق أن فقهه لون من الاستنباط غير ما عليه الأئمة الأربعة، ومن قاربهم هو في شخصه نوع منفرد بين الفقهاء، فهو الباحث والمحدث المجيد، وهو عالم الملل والنحل المجادل فيها الأريب، وهو الشاعر الثائر، الذي يقارب بشعره فحول الشعراء، ويمتاز نثره بالبراعة في المعنى، وجودة الخيال، ونصاعة اللفظ وإشراق الأسلوب، ويجمع فيما كتب من نثر فني بين جودة التعبير، وحسن التصوير، وسلامة المعنى وعمق التفكير، يصف خلجات النفوس ونبضات القلوب في عبارات فياضة بالأحاسيس وصور بيانية رائعة، حتى إنه ليعد في الصف الأول بين الناثرين، ولم يكن نثره ضجة ألفاظ، بل كان معنى جميلاً عميقاً، في ديباجة أنيقة مشرقة.

وليس ابن حزم لوناً جديداً في فقهه، وكونه أديب الفقهاء فقط، بل هو رجل من بلد كان فردوس زمانه في البلاد الإسلامية، ولا نملك منه الآن إلا الذكرى، إنه من الأندلس التي ما زال ذكرها يدمى القلوب، ويذهب بالنفس حسرات، يثير العبرات، ويلقي بالنفس المؤمنة أشد أنواع الحزن، إنها مأساة التاريخ الإسلامي.

ودراستنا لابن حزم، وقد سرنا وراء الفقه من المشرق إلى المغرب، هي تذكير بذلك الفقيد الحبيب، إقليم الأندلس الخصيب، ((فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) .

4

وإنا لنضرع إلى الله العلى القدير أن يوفقنا لتجلية نواحى ذلك الفقيه العظيم، وذلك المحدث الحافظ، وذلك العالم المتسع الأفق، البعيد مدى الفكر، وذلك الناثر الشاعر الذى يهز بشعره ونثره الفنى أعطاف القلوب، ويمتع الآذان والنفوس، وإنه لولا توفيق الله تعالى ما جلينا حقيقة، ولا اهتدينا إلى فكرة؛ إنه الهادى إلى سواء السبيل.

٢٦ من ربيع الثانى سنة ١٣٧٣ هـ

٣ من يناير سنة ١٩٥٤ م محمد أبو زهرة

5

-

صفحه نامشخص

تمهيد

١ - قال أبو مروان بن حيان في وصف ابن حزم "كان يحمل علمه، ومجادل من خالفه فيه على استرسال في طباعه وبذل بأسراره، واستناد على العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده، ليبيننه للناس ولا يكتمونه فلم يك يلطف صدعه(١)، بما عنده من تعريض، ويرقه بتدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل، ينشقه متاعقه(٢)، إنشاق الخردل، فنفر عنه القلوب، وتوقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته، فمالوا على بغضه ورد أقواله، فأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه، وطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم ... وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجع إلى ما أرادوا به، يبث علمه فيمن ينتابه من بادية بلده من عامة المقتبسين منهم، من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون الملامة، يحدثهم ويثقفهم ويدرسهم، ولا يدع المثابرة على العلم، والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف حتى كمل من مصنفاته في فنون العلم وقر بعير، لم تعد أكثرها بادية لتزهيد الفقهاء وطلاب العلم فيها، حتى لأحرق بعضها بإشبيلية ومزقت علانية، لا يزيد مؤلفها في ذلك إلا بصيرة في نشرها، وجدالا للمعاندة فيها، إلى أن مضى لسبيله، وأكثر معايبه فيما زعموا عند المنصف له جهله بسياسة العلم التي هي أعوص من إتقانه"(٣).

٢ - ذلك هو ابن حزم في نظر المؤرخين الذين عاصروه ، وتلك منزلته بين علماء عصره، علم واسع غزير، وفضل كبير، ولكن حدة في الجدل، وصراحة في القول، ومنهاج اختص به، جعل فقهاء عصره ينفرون منه، ويحرضون عليه الأمراء والحكام فينفونه .

(١) أي قوله الذي يصدع فيه بالحق الذي يعتقده.

(٢) المتلعق الذي يقول من غير حجة.

(٣) معجم الأدباء لياقوت = ١٢ ص ٤٨، طبع فريد الرفاعي.

10

ولا ندري أكان سبب اختلاف الفقهاء عليه استطالته بفضل القول عليهم ، وأنه يلحن بالحجة حيث لا يجدون له ردًا، أم كان سبب ذلك مخالفة المذهب المعروف عندهم، وهو مذهب مالك، والإتيان بفقه لم يألفوه، ومنهاج لم يعرفوه، وتشدده في الدفاع عما اختار، وعنفه في الرد عليهم، لا يهمه أأصاب القول الرأي فأدحضه، أم صاحب الرأي فجرحه، وأنه يقول ما يرى لا يهمه بأي خطاب يقول، ما دام يحرر ما يراه رأيًا، وهو فوق ذلك يحس برفعة قدر على الناس، فلا يدنون منه، ولا يعمل على إدنائهم.

ولعل السببين اجتمعا فكونا ذلك البغض الذي سكن قلوب فقهاء عصره وغيرهم، وقد يكون هناك فوق ذلك سبب آخر هو أنه كان يتسامى عليهم بما أنعم الله عليه من بسط في الرزق، وسعة في العيش، فما كان يعيش على عطايا الأمراء، بل كان يعيش مما خافته له أسرته من فضل مال، فكان لذلك أثره في نفوسهم، وكان هو بهذا الاعتبار يجعل لنفسه مقامًا فوقهم، والعين تكره النظر إلى من هو أعلى منها، والنفس لا تحب من يتسامى عليها.

٣ - ألب أولئك الفقهاء الأمراء عليه كما يذكر المؤرخون ، ولكن يظهر من ثنايا الحقائق التاريخية أن الأمراء لم يكونوا في حاجة إلى التأليب عليه، بل كانوا في حاجة إلى إيجاد سبب لاضطهاده. ففتح الفقهاء الباب لهم، وجاوبوهم في بغضائهم، والتقى حول ذلك العالم القوي نوعان من البغضاء؛ بغضاء العلماء أو النظراء، والثاني بغضاء الأمراء لأسباب تتصل بالملك والسلطان؛ ذلك أن ابن حزم كان من أشياع بني أمية يذكر مفاخر لهم في الشرق والغرب، ولا يذكر خصومهم بما يستحقون من رفيع المنزلة وعظم القدر، حتى لقد اتهم بأنه ناصبي يناصب عليًا وبني هاشم العداء، فلما دالت دولة بني أمية، وخلف من بعدهم على الحكم خلف فيهم تشيع لآل علي ناصبوه العداوة ثم جاء من بعدهم من عاداه أيضًا، وأرادوا علة لكيدهم، فوجدوها في مباغضته للفقهاء، واتهامهم له، فأنزلوا به الأذى ونفروا الناس منه، ولكن العلم كالنور والهواء لا يقع في قبضة أحد، ولا يحول أحد دون انتشاره وذيوعه، لقد أحرقوا كتبه، فقال في الذين أحرقوها ومن أوعزوا إليهم :

8

فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس، بل هو في صدري

يسير معي حيث استقلت ركابي وينزل إذ أثوى ويدفن في قبري

دعوني من إحراق رق وكاغد وقواوا بعلم كي يرى الناس من يدري

وإلا فعودوا في المكاتب بدأة فكم دون ما تبغون لله من ستر(١)

٤ - حياة كلها نضال ، تلك حياة هذا العالم القوي وإنه وإن كان قد ولد في عيش ناعم لم تكن حياته ناعمة. ولقد اتسعت آفاق فكره، فقد درس الفلسفة، والأخبار، والأنساب، واللغة والأدب، وحفظ من الشعر القديم والإسلامي الكثير ودرس الحديث وحفظ وجمع، وكتابه المحلى يفيض بما يدل على مقدار علمه بالصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وفتاوى الصحابة وأقضيتهم وآثار التابعين وفتاويهم وأقضيتهم، فهم في هذا بحر لا تكدره الدلاء، وقد كان عالماً بالملل والنحل قديمها وإسلاميها، وقد ذاد عن الإسلام فيما هوجم به من اليهود والنصارى الذين كانوا يصاقبون الديار الإسلامية بالأندلس، إذ قد فتحت رحابها لكل من يأوي إليها، فيعيش في كنف أمرائها، حراً غير مقيد يدرس ويدارس. ويناقش ويجادل، فتصدى ابن حزم لرد افترائهم وكشف اللثام عما يدسون من آراء.

وقد دون في بطون الكتب تلك المساجلات والردود في قول محكم، وعبارات جزلة هي بين لغة العلم ولغة الأدب، وكان البصير بالتاريخ في عمومه وخصوصه، فهو يعلم تاريخ الملوك وتاريخ النحل، وكيف بدأت، وكيف عاشت، وكيف انتهت، يعرف ذلك بعقل مدرك للأسباب قبل المسببات، وللغايات قبل مظاهرها، وأودع ذلك كله في كتبه بقلم مبين.

٥ - ولابن حزم فوق ما سبق دراسات نفسية درس فيها النفوس وتعمق في سبر أغوارها في عبارات كاشفة موفقة، فهو جليل النفوس، ويدرس الأفكار كيف تدخل في الطوائف والجماعات، ثم يحلل نفوس الآحاد، حتى أنه ليكتب في الحب والعشق، وكيف يبتدىء في القلوب يغزوها، وحسبك كتابه ((طوق الحمامة)) لتعرف إلى أي مدى كان يتغلغل ذلك الفقيه في دراسة

(١) الذخيرة لابن بسام المجلد الأول من القسم الأول من ١٤٤ طبع كلية الآداب بالقاهرة.

9

النفس العاشقة ، وما يثير فيها عوامل الصبابة والهوى، وقد استمد ذلك مما درس بالتجربة والعيان، لا بالظن والتخيل، فلم يلجأ إلى بطون الكتب يستخرج دفائها. وإنما جأ إلى الحس مع العلم يستقرى ما يسجله ويثبته في وقائع هذا الوجود، وقد سهل له ذلك أنه كان يعيش في صدر حياته في بيت فاكه في النعيم؛ تغدو وتروح في أبهائه الجوارى الحسان، فاستطاع أن يختبر نفسه، ويحصى عمل غيره، ودون ذلك في عبارات كأنها النمير العذب يجري في الجداول والرياض.

٦ - هذا عرض لمظاهر مختلفة لحياة ذلك العالم النابغة، وهي وإن كانت مظاهر جلية تتبدى للقارئ في كل صفحة من آثاره وكل رسالة من رسائله، قد انبعثت عن شخصية تعددت نواحيها، وتباينت اتجاهاتها، وكل صفحة من صفحات كتبه تكشف عن جانب من جوانب نفسه.

فحياته الشخصية ليست ساذجة كحياة من درسنا من الأئمة الذين درسنا حياتهم، فحياتهم رضى الله عنهم نمط فكري واحد، وإن كانت لهم آراء في نواح غير الفقه، فهي على هامش تفكيرهم، وليست في صميم اتجاههم، أما ابن حزم فطراز آخر، فأنت تجده في الأدب ناثراً فنياً ممتازاً لا يقل عن أي كاتب من كتاب عصره وبلده، وربما امتاز عليهم بجودة الفكرة مع جزالة الديباجة، وجمال الصورة البيانية، وهو فوق ذلك السياسي الذي نشأ في بيت الوزارة، وكان له هو شأن في الوزارة، ثم هو المحدث والفقيه والمؤرخ، وكل تلك نواح في صميم نفسه، وإن كانت المقادير مختلفة وهي متمازجة، تعاونت فكونت تلك الشخصية العبقرية.

فلا بد عند دراسة حياته من بيان العوامل المؤثرة التي وجهته إلى تلك النواحي المتشعبة المتلاقية، وتلك الاتجاهات المختلفة غير العادية، وأحياناً يكون مظهرها مختلفاً متضارباً وعند الفحص نجد المجرى متحداً في المنبع، وإن اختلف المصب إلى شعب، وقد يكون بعضها كدراً، وبعضها رائقاً صافياً بحسب ما صادف كل شعبة في اتجاهها.

٧ - ولقد يبدو بادى الرأي وجه التخالف بين مظهرين وجدناهما في

10

حياة ابن حزم وآثاره، أحدهما كتابته في العشق والعشاق، والإلف والألاف كتابة من ذاق طعم الحب، وعرف ما تعتلج به نفس المحب، وما يحتاج في ثنايا صدره من لواعج العشق، والثاني كتابته في الفقه والحديث وعلم الكلام كتابة من يصك خصمه في الجدل صك الجدل، وينشقه في حججه إنشاق الخردل، فإن المظهر الأول مظهر نفس عطوف ألوف، والثاني مظهر لسان عنيف حتى لقد وصفه ابن القيم بأن كلامه في العشق تنماع فيه نفسه انمياعاً (١)، بينما هو في الثاني خشن جاسي اللفظ، لا يسمع منه السامع إلا قعقعة تشبه قعقعة السلاح.

ولكن إذا درسنا أدوار حياته دراسة مستقصية متتبعة نعرف أن النبع واحد، فالأولى كتابة شاب ثري يرفل في حال النعيم، ويعيش بين الجواري الحسان في بيته والقيان اللائي يملكهن بملك اليمين. فيسجل في كتابه ((طوق الحمامة)) حياة شبابه وملاحظاته في العشرين إلى الخامسة والثلاثين أو بعد ذلك. حتى إذا خلع رداء الشباب. وكان من المصادفات أن يخلع أيضاً العيش الهادئ فقد استقبل حياة مريرة شديدة وإذا كان المال في هذه الحال موفوراً لم تكن الهناءة موفورة فانصرف إلى حياة علمية، ودراسة في الحديث والفقه والفرق والكلام، وفوق ذلك كان في جهاد وجلاد.

وإذا كانت عاطفته الحادة القديمة قد سارت في الشباب على ذلك النحو، وإن كان عفيفاً كما سنبين فطبعه الحاد القوي أيضاً هو الذي جعل منه ذلك المجادل العنيف، فالأصل واحد في الأمرين وإن تغير الشكل. وإن أخبار المفكرين والعلماء والشعراء فيها الشيء الكثير من ذلك، فالطبع الواحد قد يحدث عنه أمران في ظاهرهما متضادان؛ ولكنهما متحدان في الأصل والمنبع.

٨ - وإن ذلك بلا ريب يتقاضانا أن ندرس حياته في كل أدوارها.. لتنوع المظاهر والأشكال التي ظهرت في كل دور، وكان لكل مظهر زمانه، ولكل ثمرة إبانها. ففي إبان الشباب أنتج ذلك التحليل النفسي العميق، وفي الكهولة والشيخوخة أنتج ذلك التراث العلمي المجيد .

(١) راجع في هذا روضة المحبين لابن القيم.

11

وإن تراثه العلمى نفسه لم يكن يجرى فى مدار واحد، بل تعددت آفاقه، واختلفت اتجاهاته فهو العالم بالديانات القديمة وحالها عند النبيين الذين بعثوا بها ثم ما اعتراها بعد ذاك، وعليم بالمآخذ التى يستطيع أن يصيب منها أهدافه وعليم بالفرق الإسلامية وتاريخ ابتدائها والمنبعث الذى انبعثت منه وأوجه الرد عليها كما نوهنا. وقد سجل ذلك كله فى كتابه «الفصل فى الملل والنحل»، ولا يمكن دراسته من غير أن يتصدى الكاتب فى باب كبير لتجلية بعض آرائه وبسط منهاجه فى هذا.

ثم هو العالم المؤرخ الذى يدرس أخبار الأمم، وأخبار الإسلام خاصة، وهو فوق هذا وذاك الأديب الكاتب الشاعر كما ذكرنا. ولا يمكننا أن نعرف ابن حزم على وجهه إلا إذا درسنا ذلك كله دراسة مستفيضة أو مقتصدة مجلية كاشفة. وعقدنا لكل ناحية من نواحيه العلمية باباً خاصاً، تبين مقامه فيه ومنهاجه وإلا كانت الدراسة ناقصة.

٩ - وابن حزم بعد ذلك كله الفقيه المحدث الذى استفاض فى درس الحديث والعلم بكل طرائقه، وجمع المأثور كله أو جله وخاصة ما كان منه متصلا بالأحكام الفقهية. وخرج على الناس بمنهاج خاص فى دراسته الفقهية.

ولكن المؤرخين قالوا إنه ابتدأ فى دراسته شافعى المنهاج، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى صار ظاهرى المذهب، فكان كداوود الأصبهانى صاحب المذهب الظاهرى، تخرج على الفقه الشافعى، ثم صار منشىء المذهب الظاهرى. فتولد المذهب الظاهرى من المذهب الشافعى.

ولقد كانت دراسة ابن حزم الظاهرية دراسة مستقلة - لشخصه أثر فى تكوينها، ولم يكن فى كلها تابعاً، فكان لا بد من معرفة الصلة بينها وبين المذهب الذى حملت اسمه، وذكرت رسمه، أهو كان فقط محيياً لمذهب داوود، أم كان ناهجاً منهاجاً يتفق فى أصله مع داوود من حيث نفى القياس، ثم هو فى القواعد والفكر والتوسع فى الدراسة حامل لواء مستقل، وليس تابعاً لأحد.

إن ذلك كله لا بد من دراسته، وليس بالسهل اليسير.

12

١٠ - وابن حزم قد وضع أصولا وحررها، ونهج منهاج الشافعي في أن حد منهاج استنباطه وطريق اجتهاده في أصول دونها وكتبها، وأسهب في بيانها، ووضعها في كتاب سماه «الإحكام في أصول الأحكام» فلا بد من دراسة تلك الأصول، وموازنتها بأصول الفقهاء عامة وأصول داود خاصة، وقد وضع مع ذلك الكتاب المستفيض كتاباً آخر موجزاً في أصول الظاهرية، فهل هما متلاقيان في الجميع، فلابد من دراسة ذلك ليعرف مقدار الاختلاف، إن كان بين منهاجه خاصة ومنهاج أهل الظاهرية عامة.

إن التمييز بين منهاجين متقاربين في أصل الفكرة صعب عسير، بخلاف التمييز بين المناهج المتباينة؛ لأنه إذا بعدت المسافة بين المنهاجين كانا مميزين بمقتضى ذلك الاختلاف البعيد، أما إذا تقاربا حتى اتحدا في الاسم، فإن التمييز حينئذ يقتضي استقصاء وتحرياً دقيقاً، ووزن كل فكرة ميزان حساس، ليعرف الفرق مع هذا الالتباس، وتقارب المقياس:

١١٠ - وإن ابن حزم فقيه ينكر القياس ويشتد في نقد فقهاء القياس نقداً مراً، ثم يشتد أيضاً في نقد فقهاء الاستحسان، فهل أسعفته النصوص والآثار في كل استنباطه، لقد اجتهد، وفرع الفروع، وشعب المسائل، وكتابه «المحلى» فيه إثبات من الفروع المختلفة. فهل أسعفه الأثر أو النص في كل ما فرع واستنبط؟ لا شك أنه قد أتى في دراساته الفقهية بأكبر مجموعة من الآثار، وقد يأخذ بأقوال الصحابة والتابعين، وبالصحاح المسندة وبالمرسلة والمنقطعة، وبالأحاديث المشهورة وغير المشهورة وكل ما لم يثبت أنه موضوع. ومع ذلك لا تحسب أن النصوص قد أسعفته بكل الأحكام في الفروع التي تصدى لها نفياً وإثباتاً. ولا بد أنه قد سلك في اجتهاده نوعاً من الاستنباط أياً كان مقداره، وأنه بنى على النصوص والآثار، ففرع الفروع وأصل الأصول. ووضع على هذه الأصول فروعاً تناسبها وجنى منها ثماراً تنتجها.

فمن أين الاستنباط؟ إن ذلك يحتاج إلى نظر، ولسنا نريد أن نقول إنه وقع في القياس حيث أراد مجانبته وأخذ به حيث أراد إبطاله، بل كتب الفصول والكتب في إبطاله. لا نريد ذلك. ولكن نريد أن نعرف مسلكه

13

الفقهى حيث لا يسعفه النص أو الأثر وإن ذلك بلا ريب يحتاج إلى دراسة غير متحيزة ليتبين منهاجه ، كما هو، لا كما يريد الكاتب فيتقرر الأمر كما هو فى ذاته ولا ينطبع برأى الكاتب ، بل بنظر واضع الكتاب .

١٢ - ولا شك أن كل عالم بينه وبين عصره مجاوبة ، ولقد وجدنا ابن حزم من أشد العلماء تأثراً بروح العصر. وانتفاعاً من ثمراته . وإن كانت المنازعة بينه وبين فقهاء عصره قائمة . فبينما لهم مالكيون يكون هو شافعياً ، ثم يخرج عليهم بالمذهب الظاهرى يجادل عنه ويحميه ويشتد عليهم فى الجدل فليست المجاوبة بين العالم والعصر أن يكون الوئام قائماً بينه وبين المعاصرين له من العلماء فقد يكون المخالف أقرب إلى روح العصر من الموافق ، وإن ذلك أوضح ما يكون فى ابن حزم هذا ، فهو أقرب إلى روح عصره من كل فقهاء زمانه ، ألم تر أنه كتب فى العشق والعشاق ، وقد كان عصره وبلده . والخصب والحضارة وما كانت عليه فى الأندلس ثم فراغ النفس عند الكثيرين من أهل اليسار سبباً فى الإكثار من القول فى الغزل شعراً ونثراً ، وقد ذهب الخيال فى ذلك كل مذهب ، وجال فيها كل مجال . فإذا جاء عالم. وكتب فى العشق محللا . يرد الظواهر إلى أسبابها فقد جاوب روح العصر . أكثر ممن تحرج وتأثم . وقد كتب هذا ببحث العالم ودقته . وطريقته فى الاستقراء العلمى . فجاوب بذلك عصره وأثر فيه وتأثر به . ولقد كان عصره عصراً خصباً من شأنه أن يمد العالم بأرسال من الفكر . ومنازع مختلفة من النظر . ومسالك مختلفة من المناهج العقلية . والعالم يتغذى فكره من كل ما عد به من غذاء ، حتى إذا تمثل فى نفسه خرج على الناس بنوع جديد من العلم يتصل بذاتيته ، ويستمد عناصره من قوة شخصه .

١٣ - لقد كانت الأندلس أقرب بلاد الإسلام إلى البلاد النصرانية .. بل إن المسلمين توغلوا فى أحشاء بلاد الفرنجة . وكانت لهم إتاوات مفروضة على بعض تلك البلاد . وبعض بلاد النصارى كانت تصاقب أو تدخل فى أجزاء الدولة الأندلسية . ورضوا أولا أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون

14

ثم كانوا بعد ذلك الشوكة التي أقضت مضجع المسلمين ومن عندهم انسابت الجحافل النصرانية في قلب الدولة الإسلامية في الأندلس.

وإن ذلك الاختلاط، كان يوجب بلا شك اختلاطاً فكرياً مع الاختلاط المادي فتلاقت الأفكار في احتكاك علمي، كما تلاقت الأجسام في اجتماع مادي، وكانت مدارس قرطبة في عصر ابن حزم ومن بعده تعج باليهود والنصارى يتلقون علوم العقل من منطق وفلسفة ويبثون في أفكار المسلمين ما يثير حيرتهم. فيأخذون علماً صافياً ويلقون أفكاراً مرنقة بشك.

وإن ابن حزم بلا شك جاوب هذه المنازع الفكرية المختلفة بتصديه للحضها وكشف زيفها. ورد الحق إلى نصابه، وكتبه واضحة في هذا ممتلئة به. ولعل ما كانت تثيره تلك الأقوال من شك مقصود سبباً في شدة قوله، وحدته في الخصام.

١٤ - ولم يكن عصر ابن حزم فيه ذلك الالتقاء الفكري بين الفرنجة والإسلام، بل كان فيه التقاء من نوع آخر. فيه الالتقاء بين الفكر الإسلامي في الشرق وآداب المسلمين وفنونهم في بغداد وما حولها. وبين الفكر الإسلامي في الغرب وآداب المسلمين وفنونهم في الأندلس.

إنه قد اتحد الفكر الإسلامي في جملة مقاصده وغاياته في كل بلاد الإسلام؛ لأن القرآن كان هو المسيطر، وهو الجامع للوحدة. وسنة رسوله كانت في كل مكان هي السنة الجامعة الموحدة. ولكن الإقليمية كان لها شأن في شعب التفكير، فقد كان الأندلس مذهب فقهي ليس هو المذهب السائد في العراق. فقد كان مذهب مالك هو السائد في الأندلس، وكان مذهب أبي حنيفة والشافعي هما السائدان في سائر بقاع الإسلام ما عدا المغرب. والأدب والفن مشتق من الإقليم في لونه وشكله. وفي عصر ابن حزم قد التقى الفكران الشرقي والغربي في الأندلس فكانت وفود العلماء من الشرق تجيء إلى الغرب. وكان بعض علماء الشرق حريصاً على أن ينشر علمه وأدبه في الشرق والغرب معاً، فصاحب الأغاني كان حريصاً على ألا ينشر كتابه الأغاني في العراق وما حوله قبل أن ينشر في الأندلس. بل إنه نشر فيها قبل أن ينشر في العراق

15

كان لذلك الالتقاء الفكري أثره في تفكير ابن حزم، ولعله كان أوضح فيه تأثيراً من غيره، فهو يختار مذهب الشافعي، ولم يكن منتشراً في الأندلس، ثم يختار مذهب أهل الظاهر، وهو وافد إلى الأندلس، ولم يكن له أي سلطان فيها!!

١٥ - لقد كان عصر ابن حزم عصر العلم حقاً في الأندلس. فقد انصرف إليه أمراء بني أمية مجاراة لأولاد عمومتهم العباسيين في الشرق. فزخرت مجالسهم بالعلماء، وامتلأت مكتباتهم بالكتب، ولقد روى ابن حزم تلك الكتب، وروى كثرتها. فقد جاء في نفح الطيب ما نصه:

((قال أبو محمد بن حزم أخبرني تليد الحمصي [وكان على خزانة العلم والكتب بدار بني مروان أن عدد الفهارس التي فيها تسمية الكتب أربع وأربعون فهرسة، وفي كل فهرسة عشرون ورقة ليس فيها إلا ذكر أسماء الدواوين لا غير)).

وإن كثرة الكتب تجعل للباحث عدة أساتذة لم يخاطبهم ولم يخاطبوه، ولكنهم سجلوا علومهم فخاطبوا الأجيال جميعاً، وتوعى عليهم بهذا الاعتبار. وبذلك يصعب على الباحث أن يعرف من تأثر بهم العالم الذي يدرسه إلا إذا أخبرنا هو عن أشد العلماء تأثيراً في نفسه، أو أشد الكتب إيعازاً في فكره، وبعثاً له، فإن أساتذته يتعددون والمجهولون منهم أكثر من المعروفين، والمذكورون أكثر من المغمورين، إلا ما تثبته المشابهة، والمشاركة في الفكرة، ويثبت معه الاتفاق الفكري بين المتشابهين.

وإذا كانت الكتب كثيرة تلك الكثرة في عصر ابن حزم، والتلقي كبيراً على ذلك النحو، فإنه يكون على الباحث في أثناء الدراسة أن يتعرف الأفكار التي كانت تسود، والعلوم التي كانت مدونة، والمبسوطات المختلفة في العلوم، والكتب الجامعية التي يظن أن ذلك العالم الجليل تخرج عليها، كما تخرج على الشيوخ الذين خاطبهم ودرس عليهم.

١٦ - وإن عصر ابن حزم كان عصر الاضطراب السياسي، فهو عصر انتهاء دولة وابتداء أخرى، والناس بينهما في مضطرب من الأفكار والمنازع

16

وقد اختلفت الولايات والأولياء، وأمر الرعايا كان بين الأمراء المتنازعين، لقد عاصر ابن حزم آخر الأمويين في الأندلس، فرأى دولة بني أمية ينحدر سلطانها، ويهوى الأمر فيها إلى أحد أوليائها أبي المنصور العامري، ثم رأى الأمر يعود إليهم ثم يخرج، وهذا كله في عصر واحد.

وفي الحق أن الشعب الأندلسي كان منصرفاً عن ذلك الاختلاف، فلم يكن معنياً بالسياسة والسياسيين، كالشأن في المشرق، فقد كان الشعب فيه يشترك في الاضطرابات السياسية، أو يكتوي بنارها، أما الشعب الأندلسي، فقد ابتعد عنها، ولم يشترك فيها، ولم يكتو بنارها، إلا بعد أن أصبح يأس الأمراء بينهم شديداً، وانتهزها أولاً أعداء الأمويين من البربر، ثم انتهزها العدو الذي كان يتربص بالمسلمين الدوائر، فأكلها كلها قطعة قطعة، وسبحان من يرث الأرض ومن عليها.

وإن ابن حزم من أسرة عملت بالسياسة، وكان له ولأبيه فيها شأن أي شأن فقد كان أبوه وزيراً، ثم صار هو من بعده وزيراً، وذاق حلو الولاية ومرها، أولاً، ثم لم يذق من بعد ذلك فيها إلا مراً، ولذلك تركها إلى العلم فأمد العالم بتلك الأرسال من الفكر، وذكر اسمه في الخالدين، لا بسلطان الرياسة والسياسة، بل بسلطان العلم، وإن ما يتصل بالروح يبقى، وما يتصل بالمادة يفنى، وإن لذلك موضعه من درسنا بعناية الله تعالى.

وإذا كان للبيئة الطبيعية أثر في تكوين الفكر أو اتجاهه فإن ابن حزم عاش في الأندلس بجبالها الرائعة ذات المنظر البهيج التي زينها رب العالمين للناظرين، ورياضها الفيحاء، وخصبها الطيب، ومروجها الخضراء فقد كانت حقاً فردوساً، وكانت ريحانة الإسلام، كل شيء فيها جميل، أنهار جارية وعيون ثرة تفيض بالماء في الجبال والوديان.

وإن لذلك أثره في نفس الكاتب مده بالصفاء، ورقة الحس، وإرهاف الذوق، وقد كان ذلك واضحاً في ابن حزم، فقد كان الكاتب الأديب الذي سحر بالجمال في كل شيء في الفطرة والكون والإنسان، وبدا ذلك في أسلوبه الرقيق، وجمال تعبيره، وحسن تصويره

( م ٢ - ابن حزم )

17

ولكننا مع الأسف نراه الفقيه العنيف في تعبيره الشديد في خصومته حتى ليرمى بأنه عرف العلم ولم يعرف سياسة العلم، كما ذكرنا آنفاً. ذلك لأن حياة ذلك العالم الجليل في ذلك الفردوس لم تكن هادئة، بل إن ذلك الوزير الذي ساس وحكم تعرض لأشد أنواع الأذى، فنفي وسجن، فهو قد تقلب في أعطاف النعيم في صدر حياته، ثم تقلب بعد ذلك في جحيم من الاضطهاد في الشطر الأخير من حياته ولم يكن في المال قلا، وإن كان قد فقد منه الكثير في إبان اضطهاده، ولكن الباقي لم يكن قليلا، بحيث يجعله في المال قلا.

ولقد كان أشد مناوأة له، وتحريضاً عليه العلماء كما ذكرنا، ولقد كانوا ينكرون عليه ظاهريته، وينكرون عليه خروجه عليهم، فلما تصدى للرد عليهم نالهم بمثل ما يحس به نحوهم، وإن كانت ألفاظه حادة جافية، فأفعالهم نحوه كانت أجفى وأحد.

ومن أجل ذلك وجدنا ذلك الأديب المرهف الذوق والوجدان عنيفاً في تعبيره عن مخالفيه وقد سبقوه هم بالشدة ومناصبة العداوة، ولذلك كله موضعه من البيان.

هذه صور ليست كاملة التصوير عرضناها عرضاً سريعاً، ليرى القارئ الكريم منهاجنا وما سنسلكه، وما سنتبعه في دراستنا لذلك الإمام الفقيه، والباحث المستقصى والمجادل القوي، والكاتب الأريب.

وإن ذلك المنهاج مع صعوبة تحقيقه على الوجه الأكمل، أو القريب من الكمال يوجب علينا أن نضيف أبواباً في الدراسة لم تكن في كتب الأئمة الذين سبقنا إليهم بالكتابة، فإنه لا يسوغ لنا أن نكتب فيه من غير أن نتصدى لأسلوبه في نثره الفني، وإن ذلك إن لم يكن من عمل الفقهاء فإنه لا يصح أن يفوت من يترجم له، ويتكلم في حياته ونواحي نشاطه المختلفة، ولا شك أن ذلك يكون بإيجاز لا إطناب فيه، أو بالحري سيكون بإمامة من غير استفاضة، حتى لا تخرج عن الغرض المقصود، والغاية المنشودة. وهي دراسة ابن حزم العالم الفقيه، والعالم الإسلامي. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسهل لنا الصعب، ويهيء لنا من أمرنا رشدا.

18

القسم الأول

حياته وعصره

19

-

صفحه نامشخص