Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
ناشر
دار الفكر العربي
محل انتشار
القاهرة
ولا ندري أكان سبب اختلاف الفقهاء عليه استطالته بفضل القول عليهم ، وأنه يلحن بالحجة حيث لا يجدون له ردًا، أم كان سبب ذلك مخالفة المذهب المعروف عندهم، وهو مذهب مالك، والإتيان بفقه لم يألفوه، ومنهاج لم يعرفوه، وتشدده في الدفاع عما اختار، وعنفه في الرد عليهم، لا يهمه أأصاب القول الرأي فأدحضه، أم صاحب الرأي فجرحه، وأنه يقول ما يرى لا يهمه بأي خطاب يقول، ما دام يحرر ما يراه رأيًا، وهو فوق ذلك يحس برفعة قدر على الناس، فلا يدنون منه، ولا يعمل على إدنائهم.
ولعل السببين اجتمعا فكونا ذلك البغض الذي سكن قلوب فقهاء عصره وغيرهم، وقد يكون هناك فوق ذلك سبب آخر هو أنه كان يتسامى عليهم بما أنعم الله عليه من بسط في الرزق، وسعة في العيش، فما كان يعيش على عطايا الأمراء، بل كان يعيش مما خافته له أسرته من فضل مال، فكان لذلك أثره في نفوسهم، وكان هو بهذا الاعتبار يجعل لنفسه مقامًا فوقهم، والعين تكره النظر إلى من هو أعلى منها، والنفس لا تحب من يتسامى عليها.
٣ - ألب أولئك الفقهاء الأمراء عليه كما يذكر المؤرخون ، ولكن يظهر من ثنايا الحقائق التاريخية أن الأمراء لم يكونوا في حاجة إلى التأليب عليه، بل كانوا في حاجة إلى إيجاد سبب لاضطهاده. ففتح الفقهاء الباب لهم، وجاوبوهم في بغضائهم، والتقى حول ذلك العالم القوي نوعان من البغضاء؛ بغضاء العلماء أو النظراء، والثاني بغضاء الأمراء لأسباب تتصل بالملك والسلطان؛ ذلك أن ابن حزم كان من أشياع بني أمية يذكر مفاخر لهم في الشرق والغرب، ولا يذكر خصومهم بما يستحقون من رفيع المنزلة وعظم القدر، حتى لقد اتهم بأنه ناصبي يناصب عليًا وبني هاشم العداء، فلما دالت دولة بني أمية، وخلف من بعدهم على الحكم خلف فيهم تشيع لآل علي ناصبوه العداوة ثم جاء من بعدهم من عاداه أيضًا، وأرادوا علة لكيدهم، فوجدوها في مباغضته للفقهاء، واتهامهم له، فأنزلوا به الأذى ونفروا الناس منه، ولكن العلم كالنور والهواء لا يقع في قبضة أحد، ولا يحول أحد دون انتشاره وذيوعه، لقد أحرقوا كتبه، فقال في الذين أحرقوها ومن أوعزوا إليهم :
8