59

Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

ناشر

دار الفكر العربي

محل انتشار

القاهرة

وهكذا عاش ما عاش ذلك العالم العظيم يجاهد الظلم ويجاهد الجمود والجهل ثم يجاهد مع ذلك هوى النفس، ولهو الحياة وانتهى من الحياة وقد اعتصم بالبادية وهو المنتصر على نفسه وعلى الناس معاً، ثم ثوى إلى مقره الأخير في الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة ٤٥٦ هـ رضي الله عنه.

علم ابن حزم

٦٨ - لم يعرف التاريخ قبل ابن حزم عالماً جمع بين ضروب العلم المختلفة ما جمعه ابن حزم. فهو الكاتب الأديب، وله خوض في علوم الفلسفة والمنطق، وكان جريئاً فيها كما كان جريئاً في غيرها. فهو يخطئ أرسطو في منطقه وينهج في المنطق منهاجاً يخالفه، ويتقصى التاريخ ويدونه متحرياً الحقيقة، وهو بذلك المؤرخ العميق النظرة، ويكتب في أدق أجزاء التاريخ وهو الأنساب، ويخرج من كل ذلك العالم المحقق المستوعب.

وهو مع كل هذا المحدث العظيم الذي يجمع أشتات الحديث، فيحفظها وإذا كان قد أخذ الناس عليه أنه قد أدخل عليه أحاديث فإن ذلك لا يمنع عظم حفظه وإحاطته ومعرفته لأخبار الرجال وأحوالهم، وهو الفقيه الذي أحيا علم الظاهر، أو بعبارة أدق دلالة: أحيا علم الكتاب والسنة. وبين عمومهما وشمولها لأحكام الأحداث التي تجري بين الناس مهما يتغير الزمان وإذا كان قد اختار المنهاج الظاهري منهاجاً فذلك لم يكن تقليداً: بل لأنه المنهاج الوحيد الذي يتمكن به من بيان أن أحكام القرآن والسنة سائغة للواردين بينة للقاصدين من غير أن يرنقها في زعمه قياس أو تأويل عقل بأمر غريب عنها ليس منها. كما يقرر هو. فإنه ما دام يطلب علم الكتاب والسنة وحدهما صحيحة من غير حمل عليهما. فلا مناص له من أن يختار الرأي الظاهري منهاجاً له.

٦٩ - وهو فوق ذلك العالم بالملل والنحل في غير الإسلام، والعليم بالفرق الإسلامية، وأهل النجاة منها، والعليم بوجوه الرد على غير المسلمين، والعليم بالفرق بين الفرق معرفة دقيقة، وإنه ليناقشها بطريقته الصريحة الحرة غير سائر وراء أحد، ولا متمت لقول قاله عالم مهما تكن منزلته ما دام يخالف ظاهر الكتاب والسنة، أو يأتي بقول لا يشتق منهما، ولا يعتمد فيه

59