15

Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

ناشر

دار الفكر العربي

محل انتشار

القاهرة

ثم كانوا بعد ذلك الشوكة التي أقضت مضجع المسلمين ومن عندهم انسابت الجحافل النصرانية في قلب الدولة الإسلامية في الأندلس.

وإن ذلك الاختلاط، كان يوجب بلا شك اختلاطاً فكرياً مع الاختلاط المادي فتلاقت الأفكار في احتكاك علمي، كما تلاقت الأجسام في اجتماع مادي، وكانت مدارس قرطبة في عصر ابن حزم ومن بعده تعج باليهود والنصارى يتلقون علوم العقل من منطق وفلسفة ويبثون في أفكار المسلمين ما يثير حيرتهم. فيأخذون علماً صافياً ويلقون أفكاراً مرنقة بشك.

وإن ابن حزم بلا شك جاوب هذه المنازع الفكرية المختلفة بتصديه للحضها وكشف زيفها. ورد الحق إلى نصابه، وكتبه واضحة في هذا ممتلئة به. ولعل ما كانت تثيره تلك الأقوال من شك مقصود سبباً في شدة قوله، وحدته في الخصام.

١٤ - ولم يكن عصر ابن حزم فيه ذلك الالتقاء الفكري بين الفرنجة والإسلام، بل كان فيه التقاء من نوع آخر. فيه الالتقاء بين الفكر الإسلامي في الشرق وآداب المسلمين وفنونهم في بغداد وما حولها. وبين الفكر الإسلامي في الغرب وآداب المسلمين وفنونهم في الأندلس.

إنه قد اتحد الفكر الإسلامي في جملة مقاصده وغاياته في كل بلاد الإسلام؛ لأن القرآن كان هو المسيطر، وهو الجامع للوحدة. وسنة رسوله كانت في كل مكان هي السنة الجامعة الموحدة. ولكن الإقليمية كان لها شأن في شعب التفكير، فقد كان الأندلس مذهب فقهي ليس هو المذهب السائد في العراق. فقد كان مذهب مالك هو السائد في الأندلس، وكان مذهب أبي حنيفة والشافعي هما السائدان في سائر بقاع الإسلام ما عدا المغرب. والأدب والفن مشتق من الإقليم في لونه وشكله. وفي عصر ابن حزم قد التقى الفكران الشرقي والغربي في الأندلس فكانت وفود العلماء من الشرق تجيء إلى الغرب. وكان بعض علماء الشرق حريصاً على أن ينشر علمه وأدبه في الشرق والغرب معاً، فصاحب الأغاني كان حريصاً على ألا ينشر كتابه الأغاني في العراق وما حوله قبل أن ينشر في الأندلس. بل إنه نشر فيها قبل أن ينشر في العراق

15