ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
بغداد طائفة كبيرة من السنة ، ولكن هشيماً كان أبرز الشخصيات أثراً في حياته في مدى هذه السنوات الأربع، أو الخمس على اختلاف الروايات. وهي السن التي تكونت فيها النواة الأولى لعلمه في الحديث.
٩٨ وقد ولد هشيم سنة ١٠٤ وتوفي سنة ١٨٣، وقد تلقى على بعض التابعين كعمرو بن دينار، والزهري، وغيرهما، وكان ذا عناية بمعرفة آثار ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وقد آلت إليه حلقة أهل الحديث ببغداد، فعندما اتجه أحمد إلى الحديث، وجده شيخ هذه الحلقة، وقد كان ذا سمت حسن في الإسلام، وذا هيبة وتأثير في نفس أحمد رضي الله عنه، حتى إنه ما كان يسأله قسط هيبة له وإجلالاً لعلمه، وما سأله مدة ملازمته له إلا مرة أو مرتين، وقد كان يسبح بحمد الله بين رواية حديث ورواية آخر، ويقول لا إله إلا الله يمد بها صوته. وكأنه يذكر جلال الله سبحانه وتعالى لتمتلئ بذكر الله نفسه، فيستشعر تقواه عند رواية حديث رسوله، ونقل أصول دينه.
وحياة هشيم هذا كانت انصرافاً إلى العلم بجملته. جاهد في سبيله، حتى شق الطريق لنفسه، وكأن أحمد ما أخذ منه علم الحديث فقط، بل تلقى عنه الجهاد في طلبه، وتحمل المشقة في سبيله.
كان هشيم بخاري الأصل، وقد أقام أبوه في واسط. ويروى أنه كان طباخ الحجاج بن يوسف، ولما انتقلت أسرته إلى بغداد، كان يصطنع هذه الصناعة، وقد اشتهر بإعداد بعض أنواع أطعمة السمك، وإجادته، فلما نزع ابنه منزع العلم لم يكن ذلك مألوفاً في أسرته؛ بل كان غريباً عليها، فكان ينهاه عنه، ويلومه عليه، ولكن ابنه كان يتحمل اللوم صابراً، ويطلب الحديث مجاهداً، وكان يحضر مجالس أبي شيبة القاضي، ويناظره في الفقه، وقد حدث أن مرض مرة. فتفقده أبو شيبة، فقيل له إنه عليل، فقال قوموا بنا، حتى نعوده. فقام أهل المجلس جميعاً يعودونه اتباعاً للقاضي، حتى جاءوا إلى منزل بشير الطباخ، وأخبر بذلك، فلما خرج القاضي وصحبه، قال بشير لابنه هشيم: ((يا بني قد كنت أمنعك من طلب الحديث، فأما اليوم فلا، صار القاضي يجىء إلى بابي!! متى أملت أنا هذا)) ١).
(١) تاريخ بغداد = ١٤ ص ٠٨٧
95