44

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

المحنة وأسبابها وأدوارها

٤٥ - سبب هذه المحنة دعوة المأمون للفقهاء والمحدثين أن يقولوا مقالته في خلق القرآن، فيقولوا إن القرآن مخلوق محدث، كما يقول أصحابه من المعتزلة الذين اختار منهم وزراءه، وصفوته الذين جعلهم بمنزلة نفسه، وجعل منهم شعاره ودثاره.

ولا نفصل هنا رأي أحمد في هذه القضية، لأن رأيه قد اختلف فيه العلماء من بعده، فلنرجئه إلى موضعه من دراسة آرائه، وإنما الذي يتأكده العلماء أن أحمد لم يوافق المأمون في رأيه، ولم ينطق بمثل مقالته، وأنه نزل به الأذى الشديد لذلك، وابتدأ في عصر المأمون، وتوالى في عصر المعتصم والواثق بوصية من المأمون، واتباعاً لمسلكه، فلنكتف في هذا الموضع ببيان هذه المحنة، ثم بمخاطبة أحمد للولاة والخلفاء، لأننا الآن في صدد سرد أدوار حياته.

٤٦ - وإذا كان سبب المحنة هو أن المأمون أراد أن يحمل أحمد على أن يقول مقالته في خلق القرآن، فلنفصل بعض التفصيل قول المأمون هذا، ومن سبقه إليه من العلماء، أو أصحاب الفرق.

يروى أنه أول من قال إن القرآن مخلوق الجعد بن درهم في العصر الأموي، فقتله خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى بالكوفة، وقد أتى به مشدوداً في الوثاق عند صلاة العيد، فصلى خالد، وخطب، ثم قال في آخر خطبته:

"اذهبوا، وضحوا بضحاياكم، تقبل، فإني أريد أن أضحي بالجعد بن درهم، فإنه يقول ما كلم الله موسى تكليماً، ولا اتخذ الله إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول علواً كبيراً(١)"، ثم نزل وقتله.

وقال مثل ذلك القول الجهم بن صفوان، وقد نفى صفة الكلام عن الله سبحانه وتعالى، تنزيهاً له عن الحوادث وصفاتها، وحكم لذلك بأن القرآن مخلوق، وليس بقديم.

(١) سرج العيون ص ١٨٦

43