ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
بعضها ببعض أن تظهر فيه آراء منحرفة، وأخلاق منحرفة، ويكثر الشذوذ الفكري، والشذوذ الاجتماعي، حتى يصبح الشاذ هو الكثير، والغريب هو المألوف.
ظهرت كل هذه الأمور في العصر العباسي من وقت أن استقرت الأمور لهذه الدولة التي قامت على السيوف الفارسية، ولكن المنصور حكمها بشكائم قوية، فلم تستمكن، فلما جاء المهدي ظهرت فتن هائجة ثائرة حاملة السيف، ولكنه استطاع أن يقمعها، وأراد الرشيد أن يغالب هذه المنازع، وقد تحولت إلى المجتمع الإسلامي تسرى فيه من غير حرب تحمل السيف، فأدنى إليه الفقهاء والمحدثين، وكان لهم في دولته مكان الصدارة، ولكن جاء المأمون وما تم له الأمر على أخيه الأمين إلا بنصرة الفرس - فقويت العناصر غير العربية؛ واشتدت وكان للفلسفة والعلوم الجديدة من المأمون أعظم ناصر.
كثر الشطار والمفسدون، وكثر المخربون في المجتمع الإسلامي من وراء ستار وكثرت الآراء الغريبة على العقل الإسلامي، فنهج السلفيون منهاجين مختلفين، فريق نهج منهاج المقاومة والمغالبة، واختار أحمد أن يعيش في وسط تلك المنازع غريباً عنها، محلقاً في سماء السلف الصالح بروحه، حتى لقد وصفه بعض معاصريه بأنه تابعي كبير تخلف به الزمن.
٤٣ - إن أحمد رضي الله عنه قاطع الذين يخوضون في غير ما أثر عن السلف مقاطعة تامة، حتى إنه ما كان يستجيز لنفسه الرد عليهم، وكان على ذلك إلى أن مات. ولقد كتب رجل إليه يسأله عن مناظرة أهل الكلام، فكتب إليه أحمد رضي الله عنه الكتاب التالي:
((أحسن الله عاقبتك، الذي كنا نسمع، وأدركنا عليه من أدركنا، أنهم كانوا يكرهون الكلام، والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمر في التسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله، لا تعد ذلك، ولم يزل الناس يكرهون كل محدث، من وضع كتاب، وجلوس مع مبتدع؛ ليردوا عليه بعض ما يلبس عليه في دينه))(١).
(١) ترجمة الحافظ الذهبي لأحمد المطبوعة في مقدمة المسند طبع المعارف.
41