30

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

فكان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة، وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة (١))).

وأي شيء عند الشافعي كان يعجب به أحمد بن حنبل؟ ليس هو الرواية، فلم يكن في منزلة سفيان بن عيينة فيها، ولم يكن في منزلة أحمد نفسه فيها، وإنما الذي كان عند الشافعي، وتلقاه عليه أحمد في مكة وبغداد هو التخريج الفقهي وأصول الاستنباط ومنهاج الاستنباط، فهذا هو المعجب الذي استرعى ذهنه واستولى على فكره.

٢٩ - وإذا كان كذلك فيجب أن نقرر أن أحمد كان يطلب فيما يطلب علم الفقه والاستنباط مع الرواية وتلقي ذلك عن الشافعي وغيره، بل إننا لننتهي إلى أن نقبل ما قيل عنه من أنه كان يحفظ كتب أهل الرأي، ولكن لا يأخذ بها أو يعرض عنها، ولم يلتفت إليها، فقد قال تلميذه الخلال، كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها ثم لم يلتفت إليها (٢))).

فهذا النقل مقبول، وهو يدل على أن أحمد كان معنيا في دراسته بعلم الفقه، والرأي والقياس والاستنباط، وإن كان لم يجد فيما كتب فقهاء الرأي العراقيين، وهم أبو حنيفة وتلاميذه ما ينقع غلته، ويشبع نهمته، أو يتفق مع نزعته الأثرية، وهو على أي حال كان معنيا بدراسة الفقه، وإن لم يرض طريقة بعض الفقهاء.

٣٠ - وإذا كان أحمد كان يطلب الفقه وهو معني بالحديث، ورواية الآثار أبلغ عناية، فلا بد أنه كان يدرس الحديث دراسة متفهم لمراميه، وغاياته ومعانيه الفقهية، لقد كان يطلب فتاوى الصحابة وتجد في مسنده لكل صحابي طائفة كبيرة من فقهه وفتاويه، ففي مسند عمر طائفة من الفتاوى التي كان يفتي بها ذلك الفقيه العظيم، وفي مسند علي، وعثمان، وعبد الله بن مسعود وغيرهم - مقادير كبيرة من فتاويهم، وأقضية من ولى الأمر منهم.

(١) راجع كتاب الشافعي للمؤلف ص ٣٦ الطبعة الأولى.

(٢) راجع ترجمة أحمد في تاريخ الذهبي.

29