ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ومن هذا كله يستفاد أنه مع تخصيصه شيخه هشيماً بفضل من الملازمة لم ينقطع عن غيره انقطاعاً تاماً، بل كان يختلط بغيره، ويروي عنه، ويلقف الأحاديث، حيثما وجد الراوي الثقة، وخصوصاً أولئك الذين لهم شهرة علمية في الرواية وجمع الحديث في البقاع الإسلامية.
٢٣- بعد موت هشيم أخذ أحمد يتلقى الحديث حيثما وجده، وحيثما كان، ومكث ببغداد نحو ثلاث سنوات يأخذ من شيوخها بجد ودأب، من غير أن يخص أحداً بفضل ملازمة دون غيره، كما كان شأنه مع هشيم، إذ كان قد بلغ العشرين عاماً أو قاربها عند موت هشيم، فاستوى عوده، واستقام على الجادة، وسار في طلب الحديث في دءوب وجد وعزم صادق، وأمه تشجعه وترشده وتدعوه إلى الرفق بنفسه إن وجدت منه إرهاقاً لها، ولقد حكى أحمد بعض رفقها به، فقد قال: ((كنت ربما أردت البكور في الحديث، فتأخذ أمي بثيابي، حتى يؤذن الناس أو حتى يصبحوا)).
٢٤- وفي السنة السادسة والثمانين بعد المائة ابتدأ رحلاته؛ ليتلقى الحديث عن الرجال، فرحل إلى البصرة، ورحل إلى الحجاز، ورحل إلى اليمن، ورحل إلى الكوفة، وكان يود أن يرحل إلى الري ليستمع إلى جرير بن عبد الحميد، ولم يكن قد رآه قبل في بغداد، ولكن أقعده عن الرحلة إليه عظيم النفقة عليه في هذا السبيل.
وتوالت رحلاته ليتلقى عن رجال الحديث شفاهاً، ويكتب من أفواههم ما يقولون.
رحل إلى البصرة خمس مرات، كان يقيم فيها أحياناً ستة أشهر يتلقى عن بعض الشيوخ، وأحياناً دون ذلك، وأحياناً أكثر، على حسب مقدار تلقيه من الشيخ الذي رحل إليه.
ورحل إلى الحجاز خمس مرات، أولاها سنة ١٨٧، وفي هذه الرحلة قد التقى مع الشافعي، وأخذ مع حديث أبي عينية الذي كان مقصده إليه - فقه الشافعي، وأصوله وبيانه لناسخ القرآن ومنسوخه، وكان لقاؤه بالشافعي بعد ذلك في بغداد عند
23