172

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

أن يكون في الصف الأول منهم، وإنه إذا كانت نسبة هذه المجموعة إليه صحيحة يكون المروي عنه من الفقه لا يقل مقدارا، بل يزيد عن الحديث الذي رواه ونشره.

٥٥- هذه هي المثارات قد تثار حول المجموعة الفقهية المنسوبة لأحمد، وإنا إذ نقرر أنه غبار قد تقذى به بعض الأعين التي لا تنفذ إلى الحقائق من ورائه - نقرر أن الأجيال من العلماء قد تلقوا نسبة ذلك الفقه إلى أحمد بالقبول، وإن طريقنا الذي نسلكه في صحة المسائل التاريخية، أن ما يتلقاه العلماء في كل الأجيال بالقبول، لا ننكره أو نرده إلا إذا قام الدليل على بطلان النسبة، لأن تلقي العلماء بالقبول في كل الأجيال يجعل الظاهر شاهدا. وما يشهد الظاهر له ثابت قائم، حتى يقوم الدليل على خلافه، وإن المثارات التي ذكرناها لا تعد دليلا ناقضا للمقرر الثابت عند العلماء، الذي تلقته أجيالهم، وسلمت به جيلا بعد جيل.

وإذا كان من العلماء من لم يعتبر أحمد في الفقهاء، فذلك لأن انصرافه أولا وبالذات كان للحديث، وفتاويه ومسائله كانت الإجابة فيها أقرب إلى الرواية منها إلى التفريع الفقهي، والتخريج، ولم يكن كما لك له منهاج فقهى معين درس الأحاديث على ضوئه، ولا كأبي حنيفة الذي كان يفسر الروايات تفسير الفقيه المخرج الذي يبني حكم غير المنصوص عليه، بل لم يكن كالشافعي الذي عبد أصول الفقه، وسهل دراسة مناهجه، وإن كان لم يحكم الأقيسة والقواعد الفقهية في النصوص؛ ذلك بأنه كان محدثا قبل أن يكون فقيها، وما درس الحديث ليخرج، بل كانت دراسة الحديث عنده غرضا مقصودا لذاته، وليست وسيلة لغيره، ثم جاء فقهه لما صار إماما للناس يستفتى فيضطر إلى الفتيا، فما كان من نص نطق به، وإن كان الصحابة أو لبعض كبار التابعين فتاوى فيه ذكره، ولا يفتش فيما وراءه، وإن لم يكن ثمة فتاوى للصحابة، ولا لبعض كبار التابعين اشتق من بين يديه غير مائل إلى القياس إلا لضرورة، فكان فقهه أثرا أو شبيها به، فسمى لذلك محدثا، كما نوهنا من قبل.

وإن كان أحمد قد روى عنه أنه نهى أصحابه عن نقل مسائله، فقد اضطر إلى أن يقر بعض المنقول، كما نوهنا آنفا، بل إنه كان أحيانا يكتب بخطه مقرا بصحة النقل، ويظهر أنه ما كان يقدر أن مسائله ستذاع عنه ذلك الذيوع، وقد ذهب به فرط حرصه

171