ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
نقد للشافعي وفي ذلك الحكم ضمناً على معاوية بأنه كان باغياً، ولقد قال النبي ﷺ لعمّار بن ياسر: ((تقتلك الفئة الباغية)) وقد قتلته فئة معاوية))، فتعين الباغي بهذا الأثر النبوي الكريم.
لكن أحمد مع هذا الاعتقاد رأى طائفة من الصحابة مع معاوية، فكف عن ذكره، والمناقشة في شأنه، لأنه يسير دائماً في الطريق الذي يسلكه الصحابة لا يعدوه، ولا يتجه إلى غيره.
٣ - هذه آراء أحمد في الصحابة ، وترتيب درجاتهم، وقد رأيناه رجلاً يتبع الأثر والنقل، وما سلكه الصحابة، ولننتقل بعد ذلك إلى رأيه في اختيار الخليفة.
وفي هذا المقام لا نجد لأحمد طريقاً بيناً واضحاً لاختيار الخليفة، ولا بياناً صريحاً للبيت الذي يختار منه الخليفة، إلا أنه يرى فيما نحسب أن نظام اختيار الخليفة القائم أن يكون بعده نظام صالح، فإنه قد ورد به الأثر، فالنبي قد أشار إشارة من غير عبارة باختيار أبي بكر للصلاة، وهو ﷺ مريض، وأبو بكر قد اختار عمر خليفة من بعده، وعمر قد اختار واحداً من ستة، وترك للمسلمين أمر تعيين ذلك الواحد، وما دام أحمد يسلك مسالك الصحابة، فلا بد أنه يرى هذه طريقة صالحة، لأن الصحابة قد اتبعوها.
وإن هذا الاختيار الذي لا تكون فيه محاباة لقريب لا يمنع المبايعة العامة على السمع والطاعة من جماهير المسلمين، وأن على من يختار الخليفة السابق أن ينال هذه المبايعة قبل أن يتولى سلطته، إذ المبايعة شرط لتوليها، وعلى ذلك نستطيع أن نقول إن اختيار الخليفة السابق لخلفه غير ملزم، بل هو اقتراح من مخلص للإسلام والمسلمين، ولهم أن يقروا الاختيار أو يردوه، وفي الاقتراح مصلحة، وهو توجيه للعقول قبل أن تستولي عليها الفرقة والانقسام.
وأحمد كسائر الفقهاء كان يرى جواز هذه الطريقة، بل لعله يؤثرها على غيرها، لأنها مسلك الصحابة، وقد أقر جواز غيرها.
ولقد استحسن هذه الطريقة ابن حزم الأندلسي، وقال إن جوازها قد اتفق الفقهاء عليه، ولذلك قال:
((لم يختلفوا في أن عقد الإمامة يصح بعهد من الإمام الميت، إذا قصد به حسن
149