141

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

فالأساس أن ما يصدر عن صفات الله تعالى وقدرته أيسمى خلقا، وتطلق عليه كلمة مخلوق، أم لا يسمى خلقا، ولا تطلق عليه كلمة مخلوق؟ فالسلفيون لا يسمونه مخلوقا.

٩ - وإذا كان القرآن على هذا التقرير غير مخلوق، فهل هو قديم لقدم الله تعالى، إذ أنه قائم بذاته؟ هنا يقرر ابن تيمية أن القرآن ليس بقديم عند أحمد، لأنه لا يعتبر كل ما يقوم بالذات العلية قديما بقدمها، إذ كل ما فعله الله سبحانه وتعالى بإرادته قائم به عنده، ومنها ما هو حادث، بل كلها حادث، وغير هذا المنزع هو منزع الفلاسفة الذي ساقته إليه فروضهم العقلية التي لا تلزم الإسلام والمسلمين، وهي ظنيات تتضافر، فتكون نتائج ظنية.

وينفي ابن تيمية أن يكون مذهب أحمد والسلف قدم القرآن فقال، ((والسلف اتفقوا على أن كلام الله منزل غير مخلوق .... فظن بعض الناس أن مرادهم أنه قديم العين، ثم قالت طائفة هو معنى واحد، وهو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل منهي والخبر لكل مخبر، والله إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا. وهذا القول مخالف للشرع والعقل))(١)

ولقد بين أنه لا منافاة بين اتصاف الله سبحانه وتعالى بالكلام القديم، وكون ما يتكلمه غير قديم، فقال:

((وحينئذ فكلامه قديم، مع أنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وإن قيل إنه ينادي ويتكلم بصوت لا يلزم من ذلك قدم صوت معين، وإذا كان قد تكلم بالقرآن والتوراة والإنجيل بمشيئته وقدرته، لم يمتنع أن يتكلم بالياء قبل السين .... ))(٢)

٢٠ - ويستخلص من هذا كله أن أحمد بن حنبل، ومن سلك مسلكه يقولون إن القرآن غير مخلوق، ولا يقولون إنه قديم، بل هو حادث بحديث التكلم من الله سبحانه وتعالى بمشيئته وإرادته عندما يتكلم وأنزل على النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بالروح الأمين جبريل.

وإذا كان الأمر كذلك، فالمعاني والحقائق لم تكن محل خلاف، وإنما كان موضع

(١) الكتاب المذكور ص ١٥٦

(٢) الكتاب المذكور ص ١٠٦

140