ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
الله به، والبعد عما نهى عنه، وإخلاص العمل لله، والإيمان بالقدر خيره، وشره، وترك المراء والجدال، والخصومات في الدين)) (١).
وهذا الكلام يدل على أن أحمد رضي الله عنه كان يؤمن بالقدر خيره وشره، ويسلم الأمور كلها لله سبحانه وتعالى:
ويدل على أنه لا يصح عنده المراء والجدال والخصومة في هذه المسألة، فإنه إذا كان أحمد رضي الله عنه قد بغض إليه الجدل في كل مسائل الدين، فقد بغض إليه الجدل في هذه المسألة خاصة، فإن الجدل فيها لا يصل إلى غاية ولا ينتهي إلى نهاية، بل كلما ازداد الجدل حولها ازدادت تعقيداً، كما قال أبو حنيفة رضي الله عنه، وهذا نص قوله رحمه الله، ورضي عنه في مسألة القدر: ((هذه مسألة قد استصعبت على الناس، فأنى يطيقونها، هذه مسألة مقفلة، قد ضل مفتاحها، فإن وجد مفتاحها علم ما فيها، ولم يفتح إلا بمخبر من الله يأتي بما عنده، ويأتي ببينة وبرهان))
ويقول مخاطباً من جاءوا يناقشونها فيها: ((أما علمتم أن الناظر في الشمس كالناظر في شعاع الشمس. كلما ازداد نظراً ازداد حيرة))
وإذا كان أبو حنيفة النظار المتكلم يقول هذا القول، ويرى أن الجدل حول القدر يزيد مسألته تعقيداً وحيرة، فأولى أن يسلك ذلك المسلك إمام أهل السنة الذي يحاكي السلف الصالح، ولا يقصد إلى غير منهاجهم رضي الله عنهم، ويرى أن ترك المناقشة في القدر من السنة، ولذلك يقول: ((من السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة ولم يقبلها، ويؤمن بها لم يكن من أهلها - الإيمان بالقدر خيره، وشره، والتصديق بالأحاديث فيه، لا يقال: لم وكيف؟ إنما هو التصديق والإيمان بها)).
٩- وأحمد إذ يؤمن بالقدر خيره وشره يقرر أن الله سبحانه وتعالى يعلم بكل شيء، ويقدر كل شيء، وما يفعله الإنسان فبقدرة الله سبحانه وتعالى وإرادته، ولذلك يخالف القدرية الذين يقولون إن الإنسان يعمل ما يعمل بقدرته الخاصة، لا بقدرة الله سبحانه وتعالى، ولا يريد الله سبحانه وتعالى المعاصي، إذ لا يأمر بها، ولا يأمر
(١) المناقب ص ١٧٦. (٩)
129