وليل بسد النهر لهوا قطعته
بذات سوار مثل منعطف البدر
نضت بردها عن غصن بان منعم
نضير كما انشق الكمام عن الزهر
وقد كان ابن عمار يستقبل هذه الأبيات جامد الحس هادئ الشعور في داخله، وكان يستقبلها في بشر عريض وفرح غامر في ظاهره.
ولم يطل الأمر بالمعتمد وشوقه، ولم يطق أن يظل البون شاسعا بينه وبين إلف روحه وشقيق فنه ابن عمار، فأرسل إليه يستقدمه فقدم إلى إشبيلية، وعوضه المعتمد عن منصبه الذي فقده خيرا فعينه كبيرا لوزراء الأندلس، فرضي نفسا ونسي ما كان من أمر الحلم القاتل، واطمأن جانبه إلى المعتمد، وعادت الأيام تصل ما انقطع وتسعى بالصديقين إلى مزيد من الصداقة للمعتمد ومزيد من ارتقاء لابن عمار.
دهاء الوزير
لم تكن الأندلس في ذلك الحين خالصة الحكم لملوكها؛ فلقد كانوا أضعف من أن يقوموا بالأمر وحدهم، وقد انتهز الإفرنج هذا الضعف فراحوا يهددونهم في ديارهم ويفرضون عليهم الجزية لقاء سكوتهم عنهم. ولقد أذعن الملوك لهذا التهديد فدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون فما كان الخلف بينهم ليترك لهم سانحة يفرغون فيها من عدوهم المشترك ولو كانوا قد تضامنوا لتغلبوا عليه. لكن من أين لهم وقد تقطعت بينهم السبل فأصبح ما بينهم وبين بعضهم خراب بلقع لن يعمره الشر الذي يحيق بهم ولن يصله العدو الذي يتنمر لهم؟
ولقد كان هذا العدو حصيفا؛ فهو لم يهجم لأنه يعلم أن جيوشه لا تكفي فهو يهدد في تبجح فتهلع نفوس الملوك فهي خائرة، وهو يطلب الجزية فتمتد بها أيدي الملوك صاغرة ذليلة.
ولم يكن حال المعتمد خيرا من حال إخوانه وإن يكن هو أقواهم وأعزهم جانبا إلا أن أمواله كانت جميعها منزوفة على مطالب إعتماد وقد كانت لا تنتهي، والقليل الباقي لم يكن كافيا لإقامة جيش لكنه كان كافيا لأن يدفع الجزية فهو يدفعها.
صفحه نامشخص