وأما تركه ﷺ الوصية بتعيين الخليفة من بعده، فقد سبق أنه ﷺ أشفق على أمته من أن يحصل منهم عصيان لخليفته أو خليفة خليفته وهلم جرا فيحل بهم العذاب، فوكل ذلك إليهم ليجمع لهم بين فضيلة الاجتهاد وبين السلامة من الوقوع في المحذور ولو بعد حين، ودعوى الخصم الوصية لعلي خلاف الإجماع إن أراد بذلك الخلافة الكبرى، وأما في أمور جزئية فمسلم.
وكون علي ﵁ يسمى وصيا فقد سئل عنه علي فقال: لا، وقد سبق قوله: لم يعهد إلينا في ذلك شيئا، وإنما هو شيء رأيناه من أنفسنا. فهو تكذيب لعلي نفسه، هذا مع إجماع المسلمين على تسمية الصديق خليفة رسول الله ﷺ، وإجماعهم على أنه لم يستخلفه، فإن صح تسمية علي بالوصي فكذلك.
ونزول أبي بكر وعمر عن مجلس النبي ﷺ في المنبر أدب ليس بواجب، وعود عثمان إلى مجلس النبي ﷺ اتباع لسنة النبي وعمل بما عمل، وهو أفضل يومئذ لما فيه من المصلحة، لأنه يترتب على ذلك لو بقي كل خليفة ينزل درجة تبين هجران سنة المنبر، ولكان الخليفة اليوم يخطب الناس وهو في تخوم الأرض.
وإذا صحت إمامته نفذت تصرفاته كلها من الأخذ والعطاء والنفي والإثبات بنظر المصلحة.
1 / 106