حروف لاتینی
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
ژانرها
نسيت أن في نفسك تكأة لك أخرى غير تلك المنكرات؛ مسألة التعامل بالفوائد. ولكني أرى صوتك فيها خافتا، إما لأنك تتعامل بها فعلا وأنك إذا استعطيت فمعطيك مسلم تقي ورعه من دن ورعك، لا يعطيك إلا سرا. ثم هو يشفق دائما عليك؛ لأنكما أخوان في الدين، فلا يزيد عن خمس عشرة لكل مائة مما يناولك من القروض، وكلاكما من آخذ ومعط يتقي غضب الله بما يتقن من طرق الاحتيال عليه. إما لهذا خفوت صوتك، وإما لأنك - وأنت سيد الفهماء - قد أدركت أن للمعاملات العالمية تيارا يموج بهذه المسألة وأضرابها، وأنك إن لم تقصر ما تراه حكم الإسلام فيها على خاصة نفسك - إن شئت أن تتوب وأن تكون من المتحرجين - فإن أحدا لن يستمع إليك. ولو أن مصر لم تعمل بقاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» بل طاشت فأخذت بما قد تأتي به أنت ومن يكتب لك من هذا القبيل، لقاطعها العالم، ولما استطاعت الاقتراض لشراء محاصيل أهاليها ولتحويل ديون الأجانب التي عليها، ولأغلقت البنوك أبوابها، ولانحطت الزراعة ووقفت الصناعة وتعطلت التجارة، وانهدمت مصلحة الجمارك على رأس من فيها من الموظفين، وكنت أنت ومصر معا من الهالكين. ولعلك تحفظ قوله تعالى:
ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ،
بمصر وحكومة مصر وبرلمان مصر، وأن تنعق بهذا المحال لمجرد الإيهام بأنك تخدم الدين.
الثانية:
حط من غلوائك،
العلوم والفنون فحسب، بل كذلك في أمور التشريعات والقوانين. وإن ثقل عليك قولي، فسل رجال كلية الحقوق وكلية التجارة، وأقلام قضايا الحكومة التي تجهز مشروعات القوانين، وسل كل من بالمحاكم الأهلية والمختلطة من القضاة المصريين، ومن يشتغل لديها من المحامين المصريين. سلهم يأتوك جميعا بالخبر اليقين. ومن أجل هذا، مضافا إليه طريقتك العوجاء في خدمة الدين، يؤسفني أني - حتى لو كنت قويا في صحتي - لن أجيب رغبتك في الرجوع لسلفنا الصالح في أمر القوانين.
إنك يا سيدي كما وقفت على أبواب المجمع اللغوي لاستراق السمع، لا بد أنك إذ أقصاك أهل العلم عن محلتهم قد وقفت لهم أيضا على الأبواب ومن وراء الحجرات فالتقطت ذات مرة قولهم: «إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.» وإذا كنت - على ما أظن - لم تتصل، أنت ولا من يكتب لك، بقوانين الأوروبيين، ولم تدرس شيئا من قوانين الأوروبيين، فهل ترى لنفسك حقا في الموازنة بين عمل سلفنا الصالح وعمل الأوروبيين؟ لو سمحت لي بأن أدلك على الحق الواقع لما أحجمت عن إفادتك، بل سماحك ليس في العير عندي ولا في النفير. اعلم معلما، أن العقول التي كشفت لك عن عجائب الكهرباء، وفجرت لجارك ينابيع النور في كل زاوية من أركان بيته العامر، وأغنته عن المسارج والقناديل وهم المسارج والقناديل، وهيأت للناس التلغراف السلكي واللاسلكي، وكشفت لك عن خواص الراديو فجعلت سمعك الضعيف يدرك ما يحدث بأقصى بقعة في الكرة الأرضية من الأصوات، كما كشفت لك عن معجزات الطيران الذي طبق عليك وعلي وعلى جميع الناس أرجاء السماء؛ هذه العقول الجبارة لها أخ من أبويها يشتغل إلى جانبها بمسائل القانون، ويسمو في بيئته إلى ما يسمو إليه إخوته الآخرون، ولكنك لا تراه؛ لأن نظرك قصير، وكلما حاول أن يشخص ليراه ردعته عن التطفل على الناس وعن الاشتغال بما لا يعنيه؛ لأنك متدين غيبوبي، باطني، إذا خرجت من قشرتك وتجسست في غير حيك كشفت عن عجزك وسقطت إلى الحضيض. أرجو أن تحفظ هذا الدرس الذي لن تجد غيري من الصرحاء يقدمه لك مجانا لوجه الله. أرجو أن تحفظه وأن تقول لنفسك: كفي عن التهويل.
ثم لتعلم يا سيدي أن ما أقول لك لا يمس أدنى مساس بقدر سلفنا الصالحين. إني أعرف لهم فضلهم العظيم أكثر مما تعرف أنت وأضرابك، وأعرف أن العقل الإنساني لم يرق في أية بيئة إلا على سنة التدرج، وباستفادة اللاحقين من عمل السابقين.
ارجع إلى عمل الصالحين السابقين يفدك في العبادات والمعتقدات؛ لأنها لا تتغير بمر السنين. أما أحوال الاجتماع وسياسة الاجتماع وقوانين الاجتماع، فاتركنا أنت وغيرك نساير فيها أمم الأرض، ما دام قوامنا فيها - على كره منك - يحترمون الدين ولا يخلون بشيء من أمور الدين.
أنا وأنت مقتنعان بأن عملك وعمل كثير من أضرابك دنيوي واه لا شأن له بالدين؛ لأني أفهم الدين، ولأنك أنت ترى بعيني رأسك أن جهات التشريع عندنا تشتغل في دائرة غير دائرة الدين.
صفحه نامشخص