حروف لاتینی
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
ژانرها
حقا إن أهل تلك البلاد يكتبون لغتهم بالرسم العربي، ويكتبون به القرآن، ولكن هل تظن أن عامتهم أو خاصتهم يفهمون شيئا من القرآن؟ كلا، بل يلوح لي أنه إذا وجد فيهم من يتعلم العربية ويكتبها ويقرؤها، فكما يوجد من المستشرقين من يتعلمها لا أكثر، وإذا طبعت هناك كتب عربية فكما تطبع في أكسفورد وليدن وليبزج لا أكثر.
قدم لي أحد من عادوا من حج هذا العام كتيبا مطبوعا سنة 1933 في مدينة لاهور بالبنغال، به بعض سور من القرآن وبعض أدعية مكتوبة بالرسم العربي، ولكن كل سطر منها تحته ترجمته بلغة تلك البلاد. مما يدل أولا: على أن القرآن مترجم من العربية إلى لغة هؤلاء المسلمين من عهد بعيد. وثانيا: على أنهم إنما ينطقون بكلمات القرآن كما تنطق الببغاء بدون أن يدركوا لها معنى إلا ما تؤديه لهم الترجمة المكتوبة تحتها. ومن ناحية أخرى إذا تأملت في مقدمة هذا الكتيب، وفي طريقة إشارته إلى بعض سور القرآن، ثم في طريقة كتابته للقرآن نفسه، لعلمت أولا: أنهم في لغتهم يحرفون أسماء السور؛ فيقولون: «سورة فتح. رحمان. واقعة. ملك. مزمل. نبأ. إخلاص» بحذف أل التعريفية. وثانيا: أنهم يكتبون هيكل كلمات القرآن على أصله النبطي القديم، فيكتبون الكلمات الآتية من سورة الرحمن هكذا: «ينتصرن. يكذبن. جنتن. عينن. تجرين. زوجن. قاصرت. مدهامتن. عينن. نضاختن. ذي الجلل» بحذف حرف الألف من موضعها في كل من هذه الكلمات، والاكتفاء بألف صغيرة فوق الحرف الممدود. وفي هذا دلالة حسية على أن واضعي رسم المصاحف المتداولة بيننا الآن، إذا وضعوا الألفات مواضعها في كل تلك الكلمات فقد خالفوا رسم الهنود المطابق هيكله للرسم العربي الأصلي، وأنهم هم والهنود كانوا من قبل خرقوا الإجماع أيضا بوضع الألف الصغيرة فوق الحرف الممدود، مما لم يكن له سابقة في مصاحف عثمان بن عفان. ومن هذه الناحية ترى أن الإجماع على أصل الرسم الذي لم تكن فيه ألف ولا إشارة لألف قد خرقه المسلمون، مرة أولى بإشارة الألف؛ أي تلك الألف الصغيرة التي بقي الهنود ملازمين لها. ومرة ثانية في بلاد العربية التي وضعت في مصاحفها حرف الألف داخل هيكل الكلمات، مستبقية أيضا تلك الألف الصغيرة فوق الحرف الممدود، في بعض الكلمات، وغير مستبقية لها في البعض الآخر. مما يزيدك علما بأن رسم المصحف لا قدسية له، ولا يحتج فيه بأي إجماع.
أما كون اتخاذ الحروف اللاتينية يحرم العرب هذا الشرف العظيم فقلب حال كذلك؛ لأن من يرمي الناس بداهية لا يحوز لنفسه بفعلته شرفا بحال.
العاشر:
يقولون إن تحسين
يكون من طريق تقريب أصولها وقواعدها؛ لأن الاتجاه لتيسير الرسم معناه نقل العبء من القارئ إلى الكاتب. وبيان هذا: أن القارئ إذا تيسر الرسم فهو ينطق بما يقع عليه بصره نطقا مضبوطا في ذاته مطابقا للرسم. وقد تكون العبارة التي يقرؤها غير مضبوطة في ذاتها بحسب أصول اللغة وقواعدها، فيعتاد القارئ قراءة ما هو غير مضبوط عربية من العبارات التي قد تسجل بالطباعة فيستديم ضررها. وأن هذا الضرر لا يمتنع إلا إذا أوجبنا على الكاتب أن يتعلم أصول اللغة وقواعدها، حتى لا يكتب إلا صحيحا، وحتى لا يقرأ الناس إلا الصحيح. وبهذا يئول تيسير الكتابة إلى نقل العبء من القارئ إلى الكاتب.
مهما يكن بياني لهذا الاعتراض معقدا فإنه على كل حال اعتراض خارج عن الموضوع. وما أشبهنا - إزاءه - بالباحثين عن طرفي الحلقة المفرغة، تقوم الساعة علينا قبل أن نهتدي إلى المطلوب! إن مسألة البحث في أصول اللغة وتيسير قواعد نحوها وصرفها، تلك التي يقول المعترضون إنها هي العلاج الشافي لأدواء العربية، هي مسألة أخرى قائمة بذاتها، وهي مطروحة فعلا على المجمع اللغوي، يرود مداخلها ومخارجها، ويحاول ما وسعت قدرته تمهيد ما يقبل منها التمهيد. أما ما نحن بسبيله الآن فهو مسألة تيسير رسم الكتابة العربية، وعلة البحث فيها استقلالا هي ما لاحظه الناضل من محبي العربية والمنضول، والفاضل والمفضول، والرائحون والغادون، والقدماء والمحدثون، وطوب الأرض ونجوم السماء، من أن خليل مطران والجارم والعقاد والأسمر وهيكل وطه حسين وأحمد أمين وأحمد حسن الزيات والمازني ونظراءهم من الشعراء والأدباء، وإلى جانبهم أساتذة العربية بالمدارس، وأنطون الجميل وفكري أباظه وزكي عبد القادر والشناوي والسوادي ورصفاؤهم من رجال الصحف والمجلات، أولاء جميعا يجهدون ويكدون ويخرجون لنا من قصائد الشعر وكتب الأدب وكتب التعليم والمقالات المختلفة في السياسة والاجتماع، ما كله محرر على أدق ما يكون من المطابقة لأصول العربية وقواعد نحوها وصرفها، وما كله مرسوم على خير ما يكون رسم الكتابة العربي الحالي. ومع هذا فإن قراء تلك الأشعار والكتب والمقالات لا يستطيعون قراءتها على الوجه الذي أراده واضعوها المتمكنون في اللغة وقواعدها، بل هم يخطئون في قراءتها خطأ شنيعا يخرج بالعبارات عن أصل معناها المراد؛ وذلك لأن رسم الكتابة في ذاته قابل - بسبب عدم وجود حروف الحركات أو «الشكل» الذي أفلس - لأن ينطق به، رغم أنف أولئك الكاتبين الفحول، على جملة وجوه، منها الصحيح وأكثرها خاطئ معيب. ومن أجل هذا مست الضرورة - قديما وحديثا - لبحث هذا الرسم ذاته. وكل الكلام الآن دائر عليه دون سواه، بقصد معالجته وجعله متمحضا لوجه واحد من الأداء؛ بحيث إذا رسمه الشعراء والأدباء والكتاب المذكورون وغير المذكورين من أساطين العربية، المعصومة أقلامهم من الأغلاط، على صورة يتعمدونها ولا يريدون سواها، قرأه القارئ حتما جزما كما أرادوا. وإذن فما محل هذا الاعتراض؟ وما معنى تسجيل الأغلاط واستدامة الأغلاط؟
لنفرض - هنيهة - أننا جارينا حضرات المعارضين، فأخرسنا ألسنتنا عن الجهر بالشكوى من سوء رسم العربية، وأمسكنا عن البحث في أمر إصلاحه، وصرفنا كل همنا في مسألة تسهيل أصول اللغة وتبسيط قواعد نحوها وصرفها، ثم لنفرض أيضا المستحيل؛ نفرض أن هذا الاتجاه لم يبق أحدا من الناس إلا وقد رفعه إلى صف من ذكرنا من كبار الشعراء والكتاب، أفلا يرى المعارضون أن سوء الأداء وكثرة التصحيفات وشنيع الأغلاط لن تنقطع ما دام رسم الكتابة باقيا كما هو، وأن الضرورة ستلجئنا إلى ما نحن فيه من الصراخ والمطالبة بالبحث فيما نبحث فيه الآن من إصلاحه؟ أفلا يرون حقا أننا بمثل هذا الاعتراض نضيع الوقت في اللف والدوران والبحث عن طرفي الحلقة، واغلين في البعد عن محجة السداد؟
تعمدت الإسهاب في الرد مجاملة لحضرات المعترضين، وإلا فإنهم لو كانوا من أعضاء المجمع اللغوي لعرفوا أن اعتراضهم وردي هذا المسهب كلاهما عبث لا خير فيه. إن لائحة المجمع تجبهما؛ نصها صريح في أن عليه البحث في تيسير رسم الكتابة العربية. ووزير المعارف عهد إليه بهذه المهمة بقرار منه خاص، وهو مكلف نظاميا بتنفيذ قرارات الوزير. ومورد النص لا مساغ للاجتهاد فيه.
الحادي عشر:
صفحه نامشخص