حروف لاتینی
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
ژانرها
كان لا بد لي في تفصيل هذا الاقتراح من وصف حال العربية وبيان صعوباتها، ونسبتها، من حيث تلك الصعوبات إلى اللغات الأخرى، وبيان حال أهلها المتحملين بها، ونسبتهم في الرقي أو التأخر إلى غيرهم من الأمم. وكان لا بد في هذا الوصف والبيان من تقرير الواقع فعلا، وكان لا بد في تقريره تقريرا صادقا من أن أجرد نفسي تجريدا تاما من التأثر بشيء من الميول والعواطف، تلك الصوارف والمشوشات التي أشار الحكماء - معلمو الإنسانية - بوجوب التجرد منها كلما أريد تقرير الواقع في أي شأن من الشئون، أو الأخذ في تعرف حقيقة من الحقائق المقدورة معرفتها للإنسان. جردت نفسي فعلا من كل مؤثر عاطفي، وتناولت الأمر كما لو كنت أجنبيا عن العربية وأهلها لا حق لها ولا لهم عندي ولا مجاملة بيننا ولا ولاء. فخرج الوصف في الفقرات الثماني الأولى - التي ستقرؤها - وصفا بالغا في التصوير الواقعي
Trés réaliste ، لا يماري في صدقه أقل مثقف يعرف الفرق بين الوصف الواقعي الواجب في مثل هذا البحث وبين الوصف العاطفي
Idéaliste
الذي يرفضه أئمة الإنسانية؛ لأنه هذر لا غناء فيه. كما خرج ذلك الوصف من أقسى ما يكون في النعي على حال العربية وحال أهلها من خياليين وغير خياليين.
فمما أوردت فيه من الحقائق الواقعية الأربع الآتية التي يغض بعض قومنا بصرهم دون رؤيتها كما تخفي النعامة رأسها بين رجليها، حاسبة في غباوتها أنها بهذا التواري المضحك تحمي نفسها من سهام الصائدين:
أولا:
قلت: «إن المستشرقين من الأمم المختلفة ليعجبون منا، نحن الضعاف الذين يطأطئون كواهلهم أمام تمثال اللغة لحمل أوزار ألف وخمسمائة سنة مضت.»
وهذا تقرير صادق لا يحتمل المماراة؛ فإن المعروف عن اللغة العربية أنها مضى عليها - على أقل تقدير - ألف وخمسمائة سنة وهي على حالها في مفرداتها ونحوها وصرفها. وقل أن توجد لغة بقيت على حال واحدة مثل هذا الزمن الطويل؛ إذ اللغات في تطور مستمر يعرفه من ألقى البال وهو شهيد. وكلما تقادم العهد ازداد التطور وأصبح قديم اللغة عبئا ووزرا ينقض ظهر المحدثين؛ لبعد ما بينها وبين ما نشأ فيهم واعتادوه من مختلف اللهجات. ومن يقل عن الأوزار والأثقال إنها أوزار وأثقال فقوله حق لا ريب فيه، ومن يراقب إبهاظ هذه الأوزار كواهل حامليها وير صبرهم عليها وتعبدهم لصنمها صاغرين، فهو إن يعجب فعجبه طبيعي لا تصنع فيه.
ثانيا:
قلت: «إن العربية قد سرى قانون التطور في مفاصلها وحتتها في عدة بلاد بآسية وأفريقية إلى لهجات يخطئها الحصر، وإنه لم يخطر ببال أي بلد من تلك البلاد المنفصلة سياسيا أن يتخذ من لهجة أهله لغة قائمة بذاتها لها نحوها وصرفها كيما يسهل عليهم أمور الحياة.»
صفحه نامشخص